
أفكر كي نام، ولا أنام إن فكرت !
كم من أمنيات طرقت الفكر في مرحلة ما قبل النوم، وهمومٍ أطالت هذه المرحلة ساعات.. حتى أرِقت بسببها، وضِقتُ بقيدها !
أنا تاجر منذ طفولتي في (سوق الأفكار)، متى ما وضعت رأسي على وسائدي وجدتني مستغرقًا في التفكير، وغارقا في التأمل، ويا لجمال التفكير في ظلمة الغرفة المغلقة، بين نفخ المكيف البارد بعينه الضيقة المضيئة صيفًا، و لفح الهواء القارص حين تفتح النوافذ.. في الشتاء، أو نفخ المكيف الحار.. .
لا تعجب إن ذابت ابتسامة في شفتيك، أو نزلت دمعة من مقلتيك، فأنت في (سوق الأفكار).
اضطجع وتعمق في ماضيك، وتفكر في مستقبلك، وعالج أحداث حاضرك؛ فإن حزنت فلتبك.. ولتأخذ الدمعة بطرف أختها، حتى تبل الوسادة، ثم لتتنفس عميقا.. عميقا، لتخرج كل آهة كادت تفتك سمومها بصدرك.. وسَم الله لتنام، فما بعد نزول الدمع، والتطهر من سموم الآهات من همٍّ إلا همّ الحاضر، وهو بذرة من واقع حياتنا، تسقى بتفكيرنا لترسخ جذورها في قلوبنا؛ فإن شئت فاجعل من هذه الحبة قبة، وإن شئت فاستحضر بعض المعاني الراقية كالصبر والاستسلام لقضاء الله وقدره مع السعي في معالجة هذا الحاضر بعيدًا عن العجلة والاستبداد بالرأي.
يا لله.. كم ضيّقت قيود الهموم الحاضرة على جموعٍ أرّقتهم.. وأطارت النوم من جفونهم، وأحالتهم إلى مساكين يتباكون في ظلمات الليالي، ويناجون الليل.. والقمر.. والنجوم.. وكل جماد في هذا الكون، وقد غفلوا عن النهار الذي فيه اجتثاث همومهم، وقطع غمومهم؛ إن قدروه حق قدره (وجعلنا النهار معاشا)، ولْيَعلموا أنهم إن ركنوا إلى الإنقطاع عن عمل النهار، والرغبة في عزلة الليالي الهادئة، فلن يفيض على قلوبهم إلا اليأس، ولن يغمر أرواحهم إلا الإحباط والكآبة.
يا وسائد الموت الأصغر.. كم بللتك الدموع، وكم جعَلْتُكِ كاتمةً لضَحِكي وابتسامتي، غير أن الذي كان يضحكني بالأمس البعيد، يختلف عما كان يضحكني بالأمس القريب، يختلف عما يضحكني في حاضري، وكذلك في البكاء.. غير أن من ثوابته:
رب يوم بكيت منه فلما **** صرت في غيره بكيت عليه
بكيت على وسادتي يومًا من أيام طفولتي لأن والدتي قطعت كهرباء جهاز البلايستيشن الأول وأنا في المرحلة الأخيرة في لعبة قضيت فيها ست ساعات حتى وصلت إلى مرحلتها الأخيرة!، وبكيت يومًا لأن عمي –رحمة الله عليه- قد توفي بيننا فجأة وقد كان سليمًا معافى، وبكيت يومًا آخر في الطفولة لأن والدي رفض أن يعطيني ثمن المجلة الشهرية (إجازة مع ميكي)، وبكيت يومًا لوفاة أحد أصدقاء الطفولة.. وهكذا، تباين كبير وتنوع بين مواقف جمعت بينها الدموع.. وهَمْي العيون.
بين أمرٍ تافهٍ جدا، وآخر تدفعني صدمته إلى البكاء؛ بكيت في طفولتي، وبكيت في سن المراهقة، وبكيت في سن الجامعة، تعددت الأسباب والدمع واحد، غير أنه بكاء لم يطّلع عليه أحد إلا وسادتي.. حيث أنها بطاقة دخولي إلى (سوق الأفكار).
وعلى وسادتي ضحكت وابتسمت، لمواقف أدبرت والتهمها الماضي.
كلنا نمرّ بمواقف تختبئ مشاعرنا في خضم أحداثها، حتى يلبسك الليل من سكونه، ويستريح ضجيج كوننا في مكان ما.. وهناك.. في عتمة غرفتك.. وبين همس المكيف.. ولفح الهواء.. ولين اللحاف.. كن واضحًا مع نفسك وألهمها بثها وإفضاءها.. .
.
تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.