جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

anger-الغضب-غاضب

من أعجب النصائح النبوية التي مرت علي، هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب)، فهي نصيحة مباشرة لا تعرف اللف ولا الدوران، ولم تأخذ بأساليب التلميح والتلطّف؛ بل كانت صارمة وواضحة جدا، فبعض الأمور لا يحتاج الكلام عنها إلى كثير فلسفةٍ أو نصح، وقد أخذ بهذا بعض التربويين وعلماء النفس والناصحين، فكان أحدهم إذا جاءته شكوى من شخص يعاني ويردد: لا أستطيع القيام لوقت العمل، مع أنني قمت بكل شيء.. إلخ. كان يرد عليه: إذن قم لوقت العمل، فالسبل لذلك معروفة لديك، لكنك لا تشكو من جهلها؛ بل تشكو من ضعف الإرادة.

عندما تغضب.. لديك –بلا شك- خيار في كبح العصبية والتوقف عن هذا الجنون المؤقت.. فلا تغضب.

تذكرت الحديث النبوي وأنا أطالع ذلك الخبر المخيف لأحد المواطنين الذي أُحرقت سيارته لأنه أوقفها بالخطأ (وحتى لو كان متعمدًا!) أمام منزل أحدهم، والذي انفعل مباشرةً وقام بإحراق السيارة، وهذا ليس بمستغرب على الإنسان إن ترك الغضب يتحكم به.

من أجمل الروايات التي تطرقت لهذا الأمر رائعة ألكسندر دوما (الكونت ديمونت كريستو) والتي تحكي قصة إيدموند داندس الذي انتزع من حياته الآمنة وعائلته وكرامته ليلقى في سجن القلعة السنوات الطوال بسبب أقرب الناس إليه، وتهمته –كما صارحوه بكل وقاحة- أنه بريء، فذاق الويل والعذاب ونما فيه حب الانتقام.. حتى وجد الطريق لذلك بيدِ شخصٍ حكيم يدعو إلى المسامحة، فظل بطل القصة في صراعٍ بين الاستسلام للغضب أو المسامحة والغفران.

قد يحق لنا أن نغضب –كما يقولون- ولكن لا يحق لنا أن نعتدي ونقسو، على الأقل.. نحن لم ننتزع من حياتنا حتى نغضب كالكونت ديمونت، فما ذنب صاحب السيارة بخسارة عشرات الآلاف من الريالات لمجرد أنه أوقف سيارته أمام باب المنزل؟!! وما ذنب عائلة ما في وفاة ولدها أو ربّ بيتها لمجرد غَضْبة استولت على رجلٍ فأطعمها من جرأته وقوّة يده حتى بطش وقتل.. ففجع أحبابا له ولضحيته؟!!

وعودة إلى مسألة أحقية الإنسان بالغضب، فإن كبْتَ العصبية مضرّ صحيًّا كالغضب نفسه كما في دراسة أعدتها جمعية القلب الأمريكية في سان فرانسيسكو، والحل يكون في التحكم به من خلال المصارحة والعتب والبثّ إلى الغير، وتستطيع عبر ذلك وبالمران والمجاهدة أن تستبدل رفع اليد إلى مجموعة كلمات لائقة "تفش فيها غلّك" من جهة، وفي ذات الوقت لا تتعدى الحدود الأخلاقية التي من المفترض أن تتحلى بها كإنسان متحضر، إضافة إلى تقبل الطرف الآخر لهذا الأمر وتفهمه.. أو -على الأقل- التسريح بإحسان لكل الأطراف.

anger-الغضب-غاضب
ومن الغريب –فيما يتعلق بالفقرة الماضية- أن دراسةً أظهرت البريطانيين –بحسب موقع العربية.نت- كأكثر الناس غضبًا في يومهم وليلتهم، وأن معدل الاستشاطة من الغضب عندهم بلغ أربع مراتٍ في اليوم، ومن المتعارف عليه.. أن الشعب البريطاني هو أحلم الشعوب وأكثرها برودًا، لكن هذا لا يتنافى أبدًا مع طبيعة الدراسة المذكورة، لأن الغضب من شيءٍ ما أمر.. والتصرف حياله أمرٌ آخر، وقد يبلغ الغضب بالإنسان مداه فيقتل ويفتعل مصيبة في حق الغير، ويبلغ الغضب بإنسان آخر مداه فيبتسم ساخرًا أو يبثّ ما في صدره كملاحظة عابرة.. أو حتى نظرة.

كم أتمنى أن تعلق الوصية النبوية (لا تغضب) في لوحات الإعلانات في شوارعنا، ومكاتب الدوائر الحكومية.. وأي مكان يحتضن طابورا.

لا-تغضب-Do-not-get-angry

5 تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

  1. لا تغضب .. فغضب الله عز وجل أشد غضباً .. جزاك الله خير الجزاء

    ردحذف
  2. وإياك أخي المجهول.. وفقك الله تعالى.

    ردحذف
  3. بارك الله فيك اخي ونفع بعلمك

    ردحذف
  4. اخي الكريم اسمح لقائمة المفضلة عندي ان تزدان بمدونتك الرائعة ,

    ردحذف
  5. حياك الله أخي الفاضل، وشكر لك طيب مرورك.. وتتشرف المدونة بزيارتك وحسن ظنك.

    ردحذف

إعلان أسفل المقال