جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

النقد-الهدام-السلبي-الانتقاد-الخاطئ-غير-البناء-Criticism-of-negative-destructive-bad

للوهلة الأولى التي نقرأ فيها مصطلحات من مثل (النقد الهدام) أو (النقد غير البنّاء) تقفز في رؤوسنا أساليب سيئة في النقد مثل "شخصنة" الموضوع، والسب والشتم. فهل هذه المظاهر السلبية هي فقط (النقد الهدام) الذي يأتي بمثابة تهمةٍ معلبة، ودرعٍ استباقي، ومبررٍ منطقي وصائب أحيانا من الأشخاص الموجه إليهم النقد؟!

بعض من كتب في هذا الأمر أتى بأنواعٍ سلبية من النقد، ومع اختلاف المصطلحات التي ذكروها إلا أنها تدور في غالبها حول المعاني القريبة منا عند ذكر النقد الهدام (الشتم والشخصنة)، والعجيب أن بعضهم يجعلها نوعًا آخر من النقد ليس داخلا في النقد الهدام.. وغير البناء.

البعض يفرّق بين المصطلحين: (الهدام) و (غير البناء)، وهذا له حظ من النظر، ومن الممكن أن أوافقه، غير أني أعتبر مصطلح (النقد غير البناء) هو ذاته مصطلح (النقد الهدّام) إلا أنه الجانب المؤدب منه، والمتمالك لأعصابه.

هنا.. أجتهد لأبرز بعضًا من أنواع النقد الهدام، وهي ما بينَ نقدٍ هدامٍ بشكل مباشر، وما بين نقدٍ هدامٍ غيرَ مباشر.

1. الشتم والسب.
عندما تقرأ نقد البعض تعرف جيدًا أنه يعاني من حياةٍ كئيبة، أو –على الأقل- كان يمرّ بيومٍ سيء، وقد يكون نقده موجهًا لك، أو لفكرتك، أو يدندن حولها، إلا أنه لن يجد القبول منك لطبيعة الردّ الغاضب أسلوبًا، مع الشتم المباشر أو على طريقة إياك عنّي واسمعي يا جارة، فإن كان السبّ مباشرًا أو يلفّ ويدور، فالمعني أنت في نهاية المطاف، مهما حاولت من الترقيع أو إحسان الظن، فألفاظ السب والشتم تحشرك في زاوية الصرامة؛ حيث أصعب اختبارٍ للحليمِ الهادئ.

2. إلزام ما لايلزم.
ودائمًا.. دائمًا تجد من يلزمك بما لا يلزم، ويذكرك بما لا دخل لك ولا بموضوعك به، ويسقط كلامك على ما لم تقصده، فيتهمك بالنسيان، ويستثني من كلامك ما لم تعممه، ويعمّم على ما لم تستثنيه، والدافع لهكذا ردود هي انفعالات شخصية أو جدال فكري مرّ به الشخص.. أو قلّة ثقةٍ بالنفس، فيربط كلامك بما لديه مسبقًا لتجد نفسك في معركة لست من أهلها، ومعمعةٍ لا تسعك ساحتها، فإن أثنيت على كتابٍ هاجمك لإحساسِ كرهٍ يكنّه للمؤلف، وإن سألت عن مكانٍ في دولةٍ حذّرك أمام الناس من مغبّة الذهاب إليها.. .

بالمثال يتضح المقال، تخيل أنك أثنيت على فكرة حفظ المتون العلمية، والقراءة التخصصيّة، ونصحت ببعض المؤلفات والكتب. ستجد من يأتيك ليدع الموضوع ويبدأ بالكلام عن موضوع آخر: حفظ المتون لا يكفي، والبعض تجده يحفظ المتون لكنه ساذج معرفيًّا، ورضي أن يكون نسخة أخرى.. إلخ. لتجد نفسك تنشر النشارة، وتحرث المحروث لتبين له أنك تؤمن بما يقوله، وكلامك صحيح ولا يعلى عليه، لكن لا أقصد أولئك، وإنما أنا مقتنعٌ بالجمع بين الحفظ والإطلاع والتوسع.. ، ثم تحاول العودة لموضوعك الذي تقطعت أشلاءه لتقول: وأنا هنا حين أحث على حفظ المتون لا أعني تجاهل الإلخ وترك الإلخ إلخ.. أرجو أن صك الغفران وشهادة البراءة.. أقصد فكرتي قد وضحت الآن.

أو تُصدم بردٍّ لأحد معارفك يسقط كلامك عليه، فيسيء الظنّ بك ويراك تعنيه، والعجيب.. هو تعدّد من يرون ذلك فيك، فيقرؤون -على سبيل المثال- صفةً سلبية، ويسقطونها على أنفسهم، ويفتحون أرشفة الوعي واللاوعي، لتثبت التهمة عليك، فتبدأَ صحيفة براءة جديدة، وصك غفران آخر.. هذه قلة ثقةٍ بالنفس، يجب أن يتداركها صاحبها.. والله المستعان.

3. النقد.. بنيّةٍ ضبابية.
فهناك من ينتقدك دون أن يراعيك، أو يراعي موضوعك أو عملك، وإنما ينتقد لأجل أعينٍ أخرى، فالبعض ينتقد ليقبض ثمن السكوت (فيما بعد!)، وآخر ينتقد لأجل مشاعر القراء والعزف على أوتارها، وهؤلاء تكشفهم الأيام، فعزفهم وإن طال سيملّه القراء، وتتبلد مشاعرهم ليجدوا أنفسهم أمام جملٍ معلبة، واسطوانة مشروخة. والبعض تسكته النخبوية (إذا صار نخبوي فيما بعد أيضًا!)، وآخرون يغيّرون الموجة –كما يقال-، والعبرة بـ: الجمهور عاوز كدة، وأيضا: المسؤول عاوز كدة، والمبادئ لها حل إن شاء الله !

هذا النقد ينحرف بسبب طلب الشهرة، أو الوصول للغاية الأنانية بوسيلة حسنةٍ مؤقتة على حساب الصدق والمبادئ وماضي المطالبات والبكائيات على الوطن والمواطن.

4. نقد العالم الثاني(!).
بعض النقد لا يصلح له إلا رد واحد فقط: هل يستحق الأمرَ كل هذا النقد؟! فبعض الأعمال والتصرفات والكتابات لا تخلو من أخطاء تنعدم قيمتها أمام أهمية العمل، ووصول الفكرة، ونجاح النتيجة، فلا تستحق تحقيقًا، أو وقفةً، وإنما الشعار المناسب لها هو مقولة: مشّي يا عم.. مشّي، ما دام أن القافلة لم تتوقف عليها، والمسيرة لم تتعرقل بسببها، إلا أن البعض يعيش بعالمٍ آخر تمامًا، كأن عيناه قد استبدلتا بمجهر، وم استمرار الركب.. ستجده يتعلق بتلابيبك وهو يصرخ: وهذه.. وتلك.. فيه ملاحظة.

هو في النهاية نقدٌ صحيح وسليم، لكن بَعُدت الحكمة عن صاحبه، وأما إن كان النقد –على مايعيب صاحبه- خاطئًا ووقحًا، لترجي –حينها- من الله الفردوس الأعلى والعتق من جهنم على بلواك.

5. النقد الزائد.
مهما كان النقد صائبًا ومؤدبًا فإن زيادته ممجوجة. منذ فترة دخلت أرشيف أحد كتاب الجرائد وأخذت أطالع مقالاته منذ بدايته مع تلك الجريدة، وكما استمتعت بمقالاته فإن ردود القراء عليه كانت أكثر متعة، خصوصا مع فارق السنوات واختلاف اهتمامات الناس للنت ونظرتهم له بين السنوات الماضية والوقت الحاضر، فلاحظت مبالغات المديح من قرّاء، وغضب آخرين لسبب أو دون سبب، وميانة مجموعة منهم بأسلوب منحط، وتكرار وجهات النظر والاستفسارات على مر السنين، وكثرة الشرهة من البعض، لكن لفت نظري أحد القراء الذي كان يظن أنه يفعل خيرا حين جعل من ردوده على الكاتب صباح كل يوم: صحيفة أعماله السيئة(!)؛ فلا ترى إلا النقد وبأسلوب جاف يتعامل بالمنقاش، دون مرونة أو تنويع على الأقل، وهذا ذكرني بموقف الشيخ سلمان العودة مع أمثال هذا القارئ، والذي ذكره في مقاله: لقد نسيتها !.

6. النقد الأناني.
من الأنانية بمكان أن أثير انتقادًا مؤدبًا وقصيرًا وواضحًا، ثم أخرج دون أن أناقش فكرة الموضوع، أو على الأقل بعض جوانبه، شاركت في العديد من المنتديات وكنت أفرح حين ينبهني أحد الأخوة أو الأخوات بخطأ نحوي، أو في معلومة.. ونحو ذلك، غير أني أشعر بخيبة أملٍ كبيرة حين أجد الكاتب قد اكتفى بهذا الأمر دون أن يحفل بالموضوع، أو يناقش فكرة خالفني فيها أو وافقني.. أو أضاف، فمثل هذه الردود تهدم فرحتي بإنجاز الموضوع مع الأسف.

7. نقد الإسقاطات.
ولعله تابعٌ للنقطة الثانية من موضوعي هذا، وهو (إلزام ما لا يلزم) لكني أرى أهمية هذه النقطة لما تحويه من إحراج لا داعي له، فحين تنتقد في موضوعك ظاهرة ما، تفاجأ بمن يأتي ويوافق انتقادك لكنّه يَصِلُ نقدكَ بنقدهِ الهمّاز اللماز لفئةٍ تسمع وتعي أنه يقصدها، فيجرّك إلى ما يُضيع وقتك، ولا مانع لديه من ضياع وقته فيه، ويقبح هذا الأمر أكثر في العلاقات الشخصية، وعلاقات العمل، أو في الجلسات العابرة.. ونحو ذلك، فتنتقد أمرًا عامًا لتجد من يحاول جرّ كلامك لينال به من أشخاص أو أعداء له أو نحو ذلك.

------------------

بشكل عام، لا يكفي أن نقوم بالنقد بناءً على تمييزِ الخطأ من الصواب -على صحة هذا الأمر ورقيّه-، وإنما نحن بحاجة كذلك إلى الحكمة والأناة قبل توجيه النقد وأثنائه، حتى نعرف متى ننقد، ومن ننقد، ولماذا ننقد، وهل يستحق كلّ ذلك.. إلخ، فننتقد كلامنا بشكلٍ عام قبل أن يخرج منا فيملكه غيرنا ويحاكمنا عليه.


.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال