
كنت في حيرة من أمري كلما قرأت مدحًا لكاتب لأنه (يجيد الإسقاط)، بينما أجد في صفحات أخرى ذما للكاتب الذي يبقى أسيرًا لموقف أو ذكرى أو فكرة، تسيطر عليه في طرحه وخواطره وتعليمه وكل ما يبث، وتؤثر على أهدافه ورسالته.
اجتهدت أن أجد فرقًا مناسبًا بين إسقاط وإسقاط، ثم علمت أن الأمر يتعلق بالقلب وما يعتمل بالنفس، لذلك لا حل في بعض الأحيان إلا أن يفهم الذي يعاني من موضوع مقالي هذا، بينما أصحاب النقد أو الإسقاط الساخر الذين يعون ويتعمدون إسقاطاتهم دون أي تأثير أو اجترار وسواسي.. فإن هذا الموضوع لا يعني لهم شيئًا البتة.
ما جعلني أكتب هذا الأمر هو قصة عالم الفيزياء المعروف ألبرت آينشتاين الذي –على مكانته العلمية- تعرض لنكسة في النصف الثاني من حياته حين انعزل بنفسه عن جديد الاكتشافات، وعالَم الفيزياء؛ ليعيش حربه الفاشلة ضد ميكانيكا الكم واحتمالاتها، بنظريته التي عرفت باسم (نظرية كل شيء)، حتى صار بنظر العلماء في ذلك الوقت شخصًا قديم الطراز، تجاوَزَهُ العلم، وتوفي وهو لم يتقدم خطوة بنظرية كل شيء؛ لأنها –كما قيل- نظرية خاطئة منذ البداية.. بصدامها لنظرية الكم، وقد نشر آينشتاين نظرية كل شيء بدايةً ثم اعترف بخطئها لأنها عارضت أهم إنجازاته (النظرية النسبية)، ولو انشغل بعد الاعتراف بمشاريع أخرى لأضاف إلى مسيرته الكثير من الإنجازات بالنظر إلى عبقريته، لكن الإعلام بعد اعترافه لم يرحمه، وبعض زملاءه شمتوا به.. فأحس أنه في حالة حرب يجب أن ينتصر بها، فأصبح أسيرها حتى آخر يوم من وفاته.
من المحزن أن يبقى الإنسان وصاحب الهدف أسيرًا لموقف أو مرحلة من حياته تؤثر على اهتماماته شيئًا فشيئًا، حتى ترى الإسقاط يتسلل إليه ليسيطر عليه في النهاية، ويجترّ المواقف التي تحزنه أو تثيره وتغضبه، ليصبح كل طرح لديه.. انتقاما، وكل فكرة يقدمها.. إسقاطا، وكل مجلسٍ يجمعه بغيره يحكي فيه قصة بخس حقه من الظلمة في حياته.. وما أكثرهم، ولا يخرج تعبيره عن الإسقاط والهمز واللمز.
قبل عدّة سنوات دعاني أحد الأخوة إلى منزله وطلب أن أقترح له اسمًا كي يجلس معنا.. فاقترحت، ليرفضه مباشرة ويطلب مني اقتراح اسمٍ آخر، وحين سألته عن السبب زال عجبي إذ قال: هو شخص رائع، مثقف، خفيف المعشر، لين الجانب.. وأحبه، لكنه تغير كثيرًا، وازدادت حالته سوءًا حتى صار في كل جلسة يبتلع الحديث كله لينفرد بنفسه يحكي لنا ملحمة حياته التي عاش فيها مظلوما من فلان وعلان، وأنّه اللمّاح لأخطاء الغير، المصيبُ الوحيد، حتى تململ منه من يحبه. آثرت الصمت واقتراحَ اسمٍ آخر؛ لأنه –بلا شك- على حق.
مثل هذه المعاناة ألمحها في طرح أصحاب التيار الواحد، أو ممن انشقّ عن هذا التيار، المسألة –عند البعض- لا تتعلق أبدًا بتحوّل فكري، أو تطوّر في الطرح، أو تغيّر نحو الأفضل، أو الأسوأ، إنما هي إسقاطات نابعة من مواقف شخصية، تظهر جليًّا حين يتحدث عن ذلك التيار الذي هو منه.. أو كان، إذ يغيب التعقل، ويختفي اللين في مكانٍ ما، لذلك غالبًا ما يتسم طرح هؤلاء باللين مع الآخرين ولو كانوا من أسوأ ما يكون.. مقابل القسوة الشديدة والسخرية والهمز واللمز ضد من يوافقونهم في أصل فكره وطرحه، ويعدّون أخوانًا لهم.
الأمثلة كثيرة، ولعل أوضحها -بالنسبة لي على الأقل- ما يحصل في المنتديات وفي الفيس بوك واليوتيوب، فالإسقاط لا يشترط أن يكون تعلقًا بماضٍ لا يعجبنا، أو مرحلة لا نفخر بها كثيرًا، وإنما قد يدخل فيه الهمز واللمز، أنا مشرف.. وصرت مشرفًا في السابق عدة مرات، لذلك قد تفاجأ -كمشرف- بطرحٍ يبدو جميلًا من الوهلة الأولى.. لكنك ستكتشف أنه جزء من حرب مقرفة وسائلها الهمز واللمز، دون الجرح المباشر، ليضيع وقت الأعضاء والزوار على ما لا طائل منه.
علينا أن نخرج أنفسنا من دائرة المواقف المسيئة لنا في ماضينا وفي حاضرنا كذلك، وعدم تكرارها في أنفسنا وأمام الغير. وأنا هنا لا أدعو إلى البلادة التامة، وإنما أدعو إلى التغافل والمسامحة والدفع بالتي هي أحسن.. وإلى الصراحة كذلك، ألاحظ أن من أهم أساليب العلاج النفسي هي جلسات المصارحة سواء مع النفس أو مع الدكتور أو حتى مع الأطراف التي سببت لك ألمًا يوما ما، إذا كانت المصلحة راجحة في ذلك، أما أن نزعم بلع المواقف، ونسيانها، لكنها تسيطر على كل ذرة منا، وتثيرنا بمجرد التذكر أو مشاهدة أطراف ذلك الماضي.. فهذه مأساة.
والأمر أحيانًا قد يصل إلى الوسواس، يعني تخيل شخصًا يكرر عليك مليون مرّة أنه سامح فلانًا على خطئه، قد يعتقد أنك صدقته في مسامحته، لكنك تشك في كل تكرار أنه لم يسامحه وإنما يقنع نفسه بهذا الأمر.. وهو لم يفعله قط، لا في طرحه ولا كلامه وأحاديثه، لأنه قيّد قلبه وذهنه بمشاعره السيئة نحو ذلك الموقف.. أو الشخص، فاستولت عليه.
هناك موضوعان أعجباني كثيرًا يدعمان مقالي هذا بتفصيل مهم جدا، ابحث عنهما عبر محركات البحث:
1. الاجترار الوسواسي (Obsessive Ruminations) -الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي.
2. الاجترار - الكاتب: محمد الحمد.
اجتهدت أن أجد فرقًا مناسبًا بين إسقاط وإسقاط، ثم علمت أن الأمر يتعلق بالقلب وما يعتمل بالنفس، لذلك لا حل في بعض الأحيان إلا أن يفهم الذي يعاني من موضوع مقالي هذا، بينما أصحاب النقد أو الإسقاط الساخر الذين يعون ويتعمدون إسقاطاتهم دون أي تأثير أو اجترار وسواسي.. فإن هذا الموضوع لا يعني لهم شيئًا البتة.
ما جعلني أكتب هذا الأمر هو قصة عالم الفيزياء المعروف ألبرت آينشتاين الذي –على مكانته العلمية- تعرض لنكسة في النصف الثاني من حياته حين انعزل بنفسه عن جديد الاكتشافات، وعالَم الفيزياء؛ ليعيش حربه الفاشلة ضد ميكانيكا الكم واحتمالاتها، بنظريته التي عرفت باسم (نظرية كل شيء)، حتى صار بنظر العلماء في ذلك الوقت شخصًا قديم الطراز، تجاوَزَهُ العلم، وتوفي وهو لم يتقدم خطوة بنظرية كل شيء؛ لأنها –كما قيل- نظرية خاطئة منذ البداية.. بصدامها لنظرية الكم، وقد نشر آينشتاين نظرية كل شيء بدايةً ثم اعترف بخطئها لأنها عارضت أهم إنجازاته (النظرية النسبية)، ولو انشغل بعد الاعتراف بمشاريع أخرى لأضاف إلى مسيرته الكثير من الإنجازات بالنظر إلى عبقريته، لكن الإعلام بعد اعترافه لم يرحمه، وبعض زملاءه شمتوا به.. فأحس أنه في حالة حرب يجب أن ينتصر بها، فأصبح أسيرها حتى آخر يوم من وفاته.
من المحزن أن يبقى الإنسان وصاحب الهدف أسيرًا لموقف أو مرحلة من حياته تؤثر على اهتماماته شيئًا فشيئًا، حتى ترى الإسقاط يتسلل إليه ليسيطر عليه في النهاية، ويجترّ المواقف التي تحزنه أو تثيره وتغضبه، ليصبح كل طرح لديه.. انتقاما، وكل فكرة يقدمها.. إسقاطا، وكل مجلسٍ يجمعه بغيره يحكي فيه قصة بخس حقه من الظلمة في حياته.. وما أكثرهم، ولا يخرج تعبيره عن الإسقاط والهمز واللمز.
قبل عدّة سنوات دعاني أحد الأخوة إلى منزله وطلب أن أقترح له اسمًا كي يجلس معنا.. فاقترحت، ليرفضه مباشرة ويطلب مني اقتراح اسمٍ آخر، وحين سألته عن السبب زال عجبي إذ قال: هو شخص رائع، مثقف، خفيف المعشر، لين الجانب.. وأحبه، لكنه تغير كثيرًا، وازدادت حالته سوءًا حتى صار في كل جلسة يبتلع الحديث كله لينفرد بنفسه يحكي لنا ملحمة حياته التي عاش فيها مظلوما من فلان وعلان، وأنّه اللمّاح لأخطاء الغير، المصيبُ الوحيد، حتى تململ منه من يحبه. آثرت الصمت واقتراحَ اسمٍ آخر؛ لأنه –بلا شك- على حق.
مثل هذه المعاناة ألمحها في طرح أصحاب التيار الواحد، أو ممن انشقّ عن هذا التيار، المسألة –عند البعض- لا تتعلق أبدًا بتحوّل فكري، أو تطوّر في الطرح، أو تغيّر نحو الأفضل، أو الأسوأ، إنما هي إسقاطات نابعة من مواقف شخصية، تظهر جليًّا حين يتحدث عن ذلك التيار الذي هو منه.. أو كان، إذ يغيب التعقل، ويختفي اللين في مكانٍ ما، لذلك غالبًا ما يتسم طرح هؤلاء باللين مع الآخرين ولو كانوا من أسوأ ما يكون.. مقابل القسوة الشديدة والسخرية والهمز واللمز ضد من يوافقونهم في أصل فكره وطرحه، ويعدّون أخوانًا لهم.
الأمثلة كثيرة، ولعل أوضحها -بالنسبة لي على الأقل- ما يحصل في المنتديات وفي الفيس بوك واليوتيوب، فالإسقاط لا يشترط أن يكون تعلقًا بماضٍ لا يعجبنا، أو مرحلة لا نفخر بها كثيرًا، وإنما قد يدخل فيه الهمز واللمز، أنا مشرف.. وصرت مشرفًا في السابق عدة مرات، لذلك قد تفاجأ -كمشرف- بطرحٍ يبدو جميلًا من الوهلة الأولى.. لكنك ستكتشف أنه جزء من حرب مقرفة وسائلها الهمز واللمز، دون الجرح المباشر، ليضيع وقت الأعضاء والزوار على ما لا طائل منه.
علينا أن نخرج أنفسنا من دائرة المواقف المسيئة لنا في ماضينا وفي حاضرنا كذلك، وعدم تكرارها في أنفسنا وأمام الغير. وأنا هنا لا أدعو إلى البلادة التامة، وإنما أدعو إلى التغافل والمسامحة والدفع بالتي هي أحسن.. وإلى الصراحة كذلك، ألاحظ أن من أهم أساليب العلاج النفسي هي جلسات المصارحة سواء مع النفس أو مع الدكتور أو حتى مع الأطراف التي سببت لك ألمًا يوما ما، إذا كانت المصلحة راجحة في ذلك، أما أن نزعم بلع المواقف، ونسيانها، لكنها تسيطر على كل ذرة منا، وتثيرنا بمجرد التذكر أو مشاهدة أطراف ذلك الماضي.. فهذه مأساة.
والأمر أحيانًا قد يصل إلى الوسواس، يعني تخيل شخصًا يكرر عليك مليون مرّة أنه سامح فلانًا على خطئه، قد يعتقد أنك صدقته في مسامحته، لكنك تشك في كل تكرار أنه لم يسامحه وإنما يقنع نفسه بهذا الأمر.. وهو لم يفعله قط، لا في طرحه ولا كلامه وأحاديثه، لأنه قيّد قلبه وذهنه بمشاعره السيئة نحو ذلك الموقف.. أو الشخص، فاستولت عليه.
هناك موضوعان أعجباني كثيرًا يدعمان مقالي هذا بتفصيل مهم جدا، ابحث عنهما عبر محركات البحث:
1. الاجترار الوسواسي (Obsessive Ruminations) -الكاتب: أ.د. وائل أبو هندي.
2. الاجترار - الكاتب: محمد الحمد.
تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.