جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة

حبل-المشنقة-عقدة-النقص

"نبايعكِ على النظرة الدونية لأنفسنا في المنشط والمكره، نبايعكِ على لبس النظارة السوداء في نظرنا لمجتمعنا، والنظر إلى أي مجتمع آخر غيره من خلال مجهر الجانب المشرق وبنظّارة ثلاثية الأبعاد، نبايعكِ على عدم الاقتناع بأي خطوة ناجحة ما دامت من عندنا، والثناء على أية تفاهة عند الآخرين واعتبارها تقدم.. لمجرد انطلاقها من عندهم، بل إننا نخرّبها بزيادة ونبايعك على اعتبار كوارث الآخرين مثارًا للإعجاب".

نعم.. لدينا مشاكل، تتعلق أولًا ببعدنا عن الدين في مظاهر متنوعة ومتعددة وخطيرة، وما يرتبط بذلك من انعدام الأمانة، وسرقة أموال الناس والمشاريع، لكن هناك نظرة القسط المعتدلة، وهناك نظرة بالغة في التشاؤم تكمن مشكلتها في نفس صاحبها، لا في المجتمع ولا حتى في حجم مشاكلنا الداخلية، وهي من نواتج التخلف الذي نعيشه في بعض مناحي الحياة، ولم تكن هذه النظرة وما ينتج عنها يومًا من ملامح مواجهة التخلّف وإن بدت كذلك.

ما قرأتموه في الفقرة الأولى هي مبايعة الكثير من الناس لـ (عقدة النقص)، أحاول عبر تخيّلها أن أصوّر لك حقيقة بعض (المعقّدين) في مجتمعنا، مهما كان مركزهم الاجتماعي والثقافي.

صرنا كأننا نجدد الولاء فعلًا لعقد نقصنا، التي لازمت أجيالًا من أمتنا فترة طويلة أمام حضارات مختلفة، كنتُ في الأيام الماضية أقرأ في كتاب الهجاء.. أقصد كتاب الديوان للعقاد والمازني، ومن يقرأ هذا الكتاب وبعض كتابات ذلك الزمن يعلم مدى النقص الذي يرونه في أنفسهم مقابل (الهالة الأوروبية) وقت عزها مما لم يتوقف على الاستفادة وإنما تجاوز ذلك إلى ما هو سخيف ومحزن، إلى درجةٍ تثير فيك الاشمئزاز والتعجب، فالقول الفصل في الحوار بينه وبين غيره هو قول ذلك المفكر الأوروبي، وكمال الأسلوب هو ما قرره ذلك الأديب الأوروبي، وبراعة الترجمة الذاتية هو ما كتبه ذلك الشاعر الفرنسي.. وهكذا، حتى دخل الأمر في الجانب السلوكي، فجعلوا الغير حكمًا لمجرد انتمائه إلى حضارة متفوقة في ميزان القوة والتمدن.

بعدها جدّدنا الولاء لعقدة النقص بعد بروز أمريكا وحتى اليوم، وفي السنوات الأخيرة جددنا الولاء لعقدة النقص أمام دول الشرق الأقصى (اليابان وكوريا وماليزيا)، وغدًا –وقد بدأت إرهاصاته- سنجدد الولاء لهذه العقدة من خلال الصين، مع العلم أنه ظهر من بيننا -وخلال أيام قصيرة- من جدّد الولاء (كوجبةٍ سريعة!) من خلال روسيا في حربها مع جورجيا، حيث نطّ مئات الأشخاص يتبرّكون بها، ويفرحون (بعودتها!).. ويرحبون ويهللون، وكأنهم كانوا بلا هوية ولا ركنٍ يحضن عقد نقصهم.

والأمر تجاوز مجرّد النقد العابر، ليصل إلى قلة الأدب والإحباط الشديد مع التمادي في ذلك إلى درجة معاكسة الواقع والحقيقة والصواب، وإلى درجةٍ وصل فيها البعض إلى إبداع(!) الجمل واللعب في الكلمات على طريقة "حِكم تنمية الذات"، ليصنع عبارات يتفنن عبرها في تقديس الغير وهجاء الذات.. .

سبب كتابتي لهذا الموضوع هو قراءتي لردٍّ على خبر أوردته إحدى الصحف عن ولادة حيوانات مشوّهة في اليابان، مما يدل على ظهور آثار الإشعاع مبكرًا، فردّ أحدهم قائلًا في سياق إبداعٍ(!) جديدٍ لعبارات عقدة النقص: (انظروا كيف تسيطر اليابان على هذه الأشياء العجيبة، والواحد منا لا يستطيع أن يسيطر على نفسه).

ألا غير هالسالفة؟!!

يا سَتّار.. جُملة للتاريخ. انظروا كيف صار الأمر تلقائيًا عند البعض فصار مجرد ذكر اليابان يعني –عفويًّا- الثناء عليها، وشتم أنفسنا، وانظروا إلى أي درجة وصل الثناء على الغير، وإلى أي درجة وصل شتم حالنا إلى هذا التصوّر القبيح. فالتقرير يخبرنا عن (فشل) السيطرة على الإشعاع بظهور آثاره مبكرًا، وأبو الشباب يقول: تسيطر على أشياء عجيبة(!)، ما دخل الخبر بهذه الجملة؟! بل والمصيبة متى كنا (لا نسيطر على أنفسنا!!)، يعني أقل الأمر "إحم إحم.. اختشي يا واااد من الكلام هذا !".

الأيام دول، ولن تُعدم هذه الأمة من متعلمين ومبدعين، وهي فوق ذلك موعودةٍ بالنهوض والانتصار وزعامة الدنيا، فمن حبس نفسه في هذه العقدة، عاش التخلف، وحُرم التفاؤل والمشاركة في البناء، وانعمى عن رؤية إشراق الصواب، وكل هذا على نفسه.. لأنه لن يضرّ الناس شيئا.

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال