
اضغط على الصورة للتكبير
هناك مشهد كرتوني مضحك رأيته في طفولتي.. وأعتقد أن أغلبكم رآه، لا أنساه أبدًا، في ذلك المشهد كان رجل الأمن حارسًا للسجن، وفي تجوله أمام زنازين السجناء كان هناك سجينان يسكنان في زنزانتين متجاورتين، أحدهما ضخم البنية مهيب الجانب مرعب الملامح، والآخر نحيل الجسد.. جبان ومنحوس.
فكان الحارس إذا مرّ بجوار زنزانة الرجل الضخم أخذ الأخير عصا يملكها ثم يضرب بها الحارس من الخلف، وحين يلتفت الحارس إليه يرى الرجل الضخم قد تقدم بوجهه إلى قضبان الزنزانة متحديًا، وبيده العصا.. ولسان حاله: نعم، أنا الذي ضربتك.. وسأضربك.. وأتحدّاك أن تصنع شيئا. فتمرّ لحظات ينظر الحارس فيها إلى السجين الضخم بغضب، لكنه حين يرفع سلاحه الخاص بالحرس لا يضرب به الرجل الضخم، بل يضرب به الرجل الضعيف جواره وعينه لم تفارق الرجل الضخم!!.
يضربه الرجل الضخم القوي فينتقم مباشرة من الضعيف الذي لم يصنع له شيئا !
مشهد معبّر للغاية، لكن خلال حياتي كلها لم أواجه أحدًا تنطبق عليه هذه الصفة إلا من يدّعون بأنهم (إصلاحيين) في الأشهر الأخيرة، هذه الموضة الجديدة التي دخلت علينا وكأنها قصّة شعر جديدة، أو نمط لباس معيّن، وكالعادة.. لكل ساقط لاقط، ولكل موضة رجالها.
ولمن يسأل عن كيفية انطباق هذا المشهد عليهم، لنقم باستبدال الشخصيات:
. الحارس: الذين يطلقون على أنفسهم (الإصلاحيين).
. السجين الضخم: السياسي (المستبد) (بنظر الإصلاحيين وحسب وصفهم).
. السجين الصغير: المشايخ والعلماء.
فالسياسي يخطئ بحسب نظرة الإصلاحيين وتعريفهم للخطأ وقد يكون كذلك.. وقد يكون صوابًا، والإصلاحي يهاجم العلماء مباشرة، حتى وصل الأمر إلى التهريج واللعب على عقول الناس. رأيت من يطلق على نفسه (إصلاحي) يطبق ذات السياسة التي ينتهجها السياسي وفق وجهة نظر الإصلاحي، فالإعلام يريد أن يقنع الناس أن من أسباب تأخر التنمية أهل العلم والمشايخ(!)، والإصلاحي يريد أن يقنع الناس أن من أسباب الاستبداد أهل العلم والمشايخ، وهكذا.. كما في المثل: عذر البليد مسح السبورة، فالطالب الكسول يتمنى أنه قد أقنع المدرس بفكرة قيامه بشيء يذكر.. ألا وهو مسح السبورة، وفي الحواري القديمة، حُجّة الفريق الخاسر: الهواء ضدّنا، الشمس على أعيننا، الحكم غشّاشّ.. مرماكم أصغر من مرمانا..، وكل هذا لا يغني من الحق شيئا، فالحق أنك أيها الطالب كسولٌ وبليد، وأنك أيها الفريق الخاسر "ما تعرفون تلعبون"، وأنك أيها الإصلاحي تحاول أن تستر جبنك عن قول ما تزعم أنه حق.. بلوم غيرك، لا سيما أهل العلم من أهل السنة لأنكم تعلمون كلكم بأنهم أسهل ما يُنال في عصرنا، لذا قيل: طالب نفسك بالعزيمة وخذ الناس بالرخص، على الأقل يا رجل من باب المجد الشخصي، وبناء سيرة ذاتية تفتخر بها، قدّم شيئًا يذكر عنك، وإلا ستكون سيرة البعض: إصلاحي.. مهتم بحقوق الإنسان والحرية، لمتُ المشايخ عام 2010 لأنهم لم يطالبوا بمجلس الشورى، وحين جاءت الانتخابات في عام 2011 لمنا المشايخ لأنهم لم يطالبوا بتوسيع المشاركة، وحين افتتحت مؤسسة كذا عام كذا لمنا المشايخ لأنهم كذا.. ولمنا ولمنا.
والمصيبة إذا ترك المشايخ تخصصاتهم وتدخلوا في السياسة، قالوا مالهؤلاء الدراويش يدخلون هذا العالم!!!
لذلك إن كنت مشتاقًا لشعور التعجب والاستغراب.. فتعجب حين يقوم السياسي بأمر يعارضه الأستاذ إصلاحي، بدلًا من أن تجد هذا الإصلاحي المزعوم يقول ما يظنها كلمة حق ضد السياسي، تجده يقول: أين المشايخ وطلبة العلم عما حصل؟! طبعًا لو كان الأمر من إنسان جاهل.. لقلنا جاهل وأتيح له منبر، لا مشكلة.. هذا زمن الرويبضة بجدارة، لكن كيف يقول هذا الكلام شخص يطلق على نفسه لقب إصلاحي؟! أقل الأمر إذا كان أسلوبه هكذا لماذا لا يطلق على نفسه: رجل يحث المشايخ بالذات على ما يزعم أنه الإصلاح دون التورّط في الأمر!.
وبعض من يطلقون على أنفسهم إصلاحيين يشحنون بعض المساكين والمتعاطفين مع ما يظنونها قضايا عادلة ويحثونهم دون أن يكون لهم أدنى مشاركة (فعليّة)، فإذا تورّط أولئك الناس وسُجنوا أو طبق عليهم النظام تحولوا إلى مجرّد (مادة أدبية) تغذّي زاعم الإصلاح بالثرثرة لعدة أشهر وأعوام، ولا بأس من صورة معبّرة.. على قصّة مؤثّرة.. وكلام في كلام.. في كلام.
شخصيًا.. كشابٍ مسلم، أدعم مطالبات هؤلاء التي تتعلق بمحاربة الفساد الإداري والمالي بدافع من ديني وتحت اسم الإسلام والكتاب والسنة ووفق نهج علماء أهل السنة والجماعة الذين يلمزونهم باسم الوهابية والسلفية، لكن لي الحق أن أعترض على استغفال عقول الناس، والصراحة مطلوبة، لك مشكلة مع التدين سلوكًا.. قلها بصراحة، لكن تزعم –مثلًا- أنك تحارب أهل العلم لأنهم –كما تزعم- يعينون من تصفه مستبدًا، في حين أن تويتر –كمثال بسيط جدًّا- فضح هؤلاء في سخريتهم الدائمة والمتواصلة من المشايخ في أمور لا تتعلق أبدًا بمسألة سياسية وإصلاحية، وإنما فقط لكونهم مرتبطين بالعلم الشرعي(!) ولكونهم أهل لحى، ولكونهم يقولون (والله أعلم، جزاك الله خيرا، بارك الله فيك) ونحو ذلك من الأمور التي يسخر منها بعض أولئك المنتسبين للإصلاح، ولا يمر أسبوع دون أن تجد سخرية بقاعدة فقهية، وضحك من لفظة شرعية، ولمز بدراسة الشريعة.. وغير ذلك.
طبعًا –وعلى الطاير- هناك فئات دخلت تحت مسمى الإصلاح لبث حقدها ضد منهج أهل السنة وممثليه في البلاد الإسلامية، هؤلاء الحديث عنهم ضائع، تمامًا كاستغلال بعض الرافضة لمهزلة الليبرالية في الهجوم على بلادنا، ولك أن تتصور أن يكتب أحدهم موضوعًا عن المهدي المنتظر اللي في السرداب في مواقعهم المنتسبة لليبرالية وتجد من يؤيده ويدعمه، يعني أقل شيء يصير عندكم ذكاء في استخدام الغطاء، لكن كما قيل: التمّ المتعوس على خايب الرجا.
والمضحك في الأمر أن بعض الذين دخلوا في هذه (الموضة) لم يقرؤوا كتابًا واحدًا عن الإصلاح السياسي والحرية.. ونحو ذلك، ولاحظت هذا في نقاشاتهم وأخذهم وردهم في تويتر، لكن البعض أحسّ أن موضة ليبرالي بدأ يخفت نجمها كرياضي مخضرم حُرم من التشكيلة الأساسية.. تلميحًا له(!)، فقرر أن يصبح إصلاحيًا، ويغيّر التعريف عنه في ملفه من: ليبرالي مسلم. إلى: شاب إصلاحي يطمح إلى دولة الحقوق. طبعًا في مرحلة ما بين المصطلحين كان هناك تعريف خاص بالثورات العربية، لكن تأثيرها كان مرتبط بتأثير برومو قناة الجزيرة.. وخف وهجها لما صارت الثورة عادة. ثم في نقاشاتهم تكتشف أن بعضهم ليس لديه أي استعداد لدخول هذا الأمر عمليًا وثقافيًا، ولكنه دخل هذه الموضة من أوسع أبوابها للثرثرة ولفت النظر، دخلها ليترصد لأي رد ناصحٍ ومصحّح ليقول: "نحن" لسنا ضد المشايخ في الجانب الفلاني.. نحن هدفنا إصلاح الكذا.. نحن انتقادنا للشيخ الفلاني يكمن في كذا.. وخذ من الـ(نحن) والميانة التي نزلت من السماء، يعني لو كنت ممن يسمون أنفسهم بالإصلاحيين ولهم نتاج ومشاركة فعلية لقلت لأمثال هؤلاء: متى الميانة يبو؟!!
ماذا أقول؟! هذه الدنيا عجايب، وأنا في هذه الأيام جالس أعمل اختبار لنفسي، ما اسم (الموضة) القادمة؟!! ولا بأس من المراهنة لصالحي، يعني من ماركسي، لمثقف، لتنويري، لعقلاني، لعصراني، لليبرالي، لإصلاحي.. موضات بعضها فوق بعض، إذا أردت وضوح المبدأ لم تكد تراه.
أخيرًا.. لدي سؤال خفيف لطيف لكل شابٍ افتتن بهذه الموضات وتنقل بينها وأخذ لفّة على كم مصطلح، سؤالٌ واضحٌ وصريح ليس فيه لفٌّ ولا دوران، وطبعًا هذا السؤال لمن اعتنق أحد هذه الأمور وثبت على واحدةٍ منها، أما ربع اكشط واربح، وحقرة بقرة، فهؤلاء لا يصلح لهم هذا السؤال؛ لأن هدفهم من التنقل واضح.. نسأل الله أن يعافيهم مما فيهم ولا يبتلينا.
سؤالي: ما الذي وجدتموه في هذه الأمور ولم تجدوه في الإسلام؟ حتى يقول أحدكم: ليبرالي مسلم، مسلم إصلاحي، تنويري مسلم؟!!
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا، واصرفها للطاعة وثبتها على الإيمان. آمين
...
إذا أعجبك الموضوع اضغط على أيقونات المشاركة في الأسفل.
جمييييييييييييييييييييييل
ردحذفبس نضغط أعجبني يقول لنا خطأ ، الظاهر حنا مو عاجبينه.
حياك الله عزيزي.. .
ردحذفأسفل كلمة أعجبني يوجد عدة أيقونات.. أحدها للنشر في الفيسبوك.. تستطيع الضغط عليها.. بارك الله فيك.
يجد المتأمل في خطاب العلماء الشرعيين في السعودية بُعداً عن اهتمامات المواطن المسلم من عناية طبية، ووظيفة، وسكن، وعدل في المعاملة. فتجد القلّة من مشائخنا من يتحدث في هذه الأمور، ويُطالب بالإصلاح المعيشي للمسلم السعودي، وحفظ حقوقه، من الناحية الشرعية. ويكفينا خطب الجمعة كمؤشر على ذلك الخلل.
ردحذفالخطاب الإسلامي الصحيح يشمل هذه الإهتمام بالإضافة للإيمانيات وجميع مناحي الدنيا والآخرة في تكامل وتوازن بديع.
حياك الله أخي أحمد.. .
ردحذفالمشكلة أنني أقرأ كلامك هذا وفي بالي مئات ومئات المطالبات من أهل العلم والمشايخ، بعضها معروفة.. وبعضها غير معروفة.. ولا يشترط أن نعرفها.
هناك آلاف الزيارات للمسؤولين منذ سنوات طويلة تحوي مطالبات واضحة وصريحة قام بها المشايخ ولم يقوم بها أي شخص آخر غير المشايخ، من الملك، لولي العهد.. لوزير الداخلية، لوزير العمل، لوزير التربية والتعليم، وغير زيارات الاحتساب في الأمور الأخلاقية والمنهجية، هناك زيارات لاقتراح مشاريع وبنى تحدية.. وأمور كثيرة لا نعلم عنها إلا عندما نستف أهل العلم ليقولونها.
أما جملة عابرة في تويتر، لن تصنع شيئا مقابل أن يضع أهل العلم أعينهم على أعين المسؤول ويقولون له: نطالب بكذا وكذا وكذا.. مما قاموا به ويقومون به.. وليس شرطا أن يقدموا للناس برنت كامل عما يفعلونه.. ومع ذلك هناك مطالبات واضحة وظاهرة على السطح.
أما خطب الجمعة فأنا ضد أن تكون منبرًا دنيويا.. إلا في حالات قليلة.. فنحن لاهون في دنيانا طوال الأسبوع، والمطالبات الصادقة والكاذبة والتمثيلية نكرع منها طوال الأسبوع.. فلابد أن يكون ذلك المنبر -في الغالب- طارحًا لأمور هي أهم وأعظم من الدنيا وما فيها كالإخلاص والعبودية لله والتقوى والتوكل.. فإن كان هناك يستسذجون هذا الطرح في خطبة الجمعة ويستسخفونه.. فالمشكلة منهم لا من هذا الطرح.
بارك الله فيك.