جاري تحميل ... مُدَونة كِتَاف

إعلان الرئيسية

إعلان في أعلي التدوينة


رأى شخص الشاعر (العتابي) يأكل الطعام ماشيًا وفي مرأى من الناس وعند أسواقهم، وكان ذلك بمثابة الجريمة والعيب، فأنكر عليه وشنع فعله وعدم احترامه للناس أو –على الأقل- خوفه من كلامهم، فنظر الشاعر إليه ثم أشار ساخرًا بالناس: (وهل هؤلاء من الناس؟!! بل هم بقر! تعال أريك)، فأخذ يد صاحبه ثم اقترب من اجتماع الناس وصرخ فيهم: (هلم يا قوم أحدثكم عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)، فاجتمع الناس حوله، وانطلق يحدثهم: (عن فلان بن علان عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال..) فأخذ يحدث الناس من صحيح الأحاديث ما يخلب أفئدتهم ويحلق بهم بعيدًا عن الدنيا، ثم استغفلهم بحديث كاذب نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال العتابي: (وحدثني فلان عن علان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ضمن لي أن يمسّ أرنبة أنفه بلسانه، أضمن له الجنّة!!") فطفق الجميع يحاولون ويمدون ألسنتهم ليمسوا بها أنوفهم كما تصنع البقر، فالتفت ضاحكًا إلى صاحبه وقال: (ألم أقل لك أنهم بقر؟!). 


عندي ظنّ سوء بأن رؤساء التحرير في اجتماعاتهم وبعض صانعي الأخبار والإشاعات في البلاك بيري والواتس أب والمواقع الاجتماعية والإخبارية يقولون: ماذا سنقول للبقر هذه الأيام؟!

وفي الحقيقة التعميم لغة الحمقى، هناك بعض البقر في نظر صانعي الأخبار، وهناك أيضًا الببغاوات في نظرهم أيضًا كبعض المواقع الإلكترونية وشباب المواقع الاجتماعية.. ونحوها. 

يقين الأمر أن هناك خبر كاذب، وآخر صادق، وآخر بين بين، والأكثر يقينًا أن تلك الصفحات تبدأ باستغلال هذا الخبر وتنفخ فيه وتزيد عليه وتجعله أداةً لسوق الرأي العام والأخذ بيد أصحابه إلى حيث يشاء رئيس التحرير ومن وراءه. 

فبعد حادثة الشاتم للنبي صلى الله عليه وسلم، بدأت الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية بانتقاء صفحات في تويتر والفيسبوك (صنعت للتو وبعد الحادثة)، تبدأ هذه الصفحات بسب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم تظهر الصحف عناوينها الكبيرة والحمراء والعاجلة لتوهم أبقارها أن من بين كل 10 سعوديين يوجد 15 يسبون الله تعالى(!!)، وأن الرجل ليس وحيدًا؛ بل هي ظاهرة في المملكة العربية السعودية، في تشويه متعمد وكاذب ومفتري تجاه بلادنا أو التحايل لإظهار الأمر وكأنه مرضيّ عنه رسميًا، ومع ذلك (تجد من يصدقها)، و(تجد من ينشر كلامها) خصوصًا من ربع البلاك بيري والواتس أب والصحف الإلكترونية المقلّدة أو محدودة الانتشار في نطاق معين، أو في تلك المواقع التي تجاوزت القنطرة لأنها تتحدث عن قضايا (إسلامية) وبذلك أبيح لها الكذب والتحايل والتشويه.

سالفة (أنا مدري، جتني ونشرتها مباشرة) ليست عذرًا إطلاقًا؛ لأن كثير من الأصدقاء عندما ينصحون غيرهم في برامج التواصل كالواتس أب، يأتيك هذا الجواب جاهزًا، طيب أين أنت كمسلم وعاقل عن معاني التثبت والتأكد؟! أين أنت عن (بحسب امرئ كذبًا أن يحدث بكل ما سمع)؟! وأين عقلك الذي طالما تتفاخر به وأنت تجعل من نفسك أداة لجهات أو مؤسسات أو مجموعات لا شك ولا ريب (بالنظر إلى تكرار أساليبهم) أنهم يعملون بهدف تشويه أو ما اشتهر بتسميته (صناعة) الدول الفاشلة أو المجتمعات الفاشلة، والهدف معروف ومعلوم، وهو العمل ليلًا نهارًا سرًا وعلانية لاختراق البقية الباقية من جغرافيا الطمأنينة لإكمال مسيرة الهدم.. وإعادة التقسيم والبناء بعد سيلان الدماء وذهاب الأعراض، وكأن هدم الأمم وإعادة البناء تركيب مكعبات ليجو!!

ولن أتحدث عن مسألة (كشف استبيان) والتي بيّن بعض الأفاضل كذب بعضها بالدليل، فبعض القنوات مثلًا رايحة جاية باستبيانات مزعومة تهجو فيها المرأة السعودية في شكلها ولبسها وذوقها، والشاب السعودي في آماله وما يثير ضغينته، مما أراه محاولات للتأثير النفسي عليهما لأهداف سياسية بالدرجة الأولى، والتي تذكرنا باستبيانات بعض البرامج الحوارية القتالية المشهورة، والتي -سبحان الله العظيم- دائمًا تأتي متوافقة مع تكشيرة المقدم ورغبته.

يا عقلاء القوم، يجب أن ندرك جيدًا ونستحضر دور الإعلام في إثارة عاطفة الشعوب وإيقاظ ما أسميه (أعصاب الفتنة) والتي إذا اشتعلت سُلب أهل العقول عقولهم، عن طريق (الوهم) و(التفخيم)، حتى يفيقون بعد فوات الأوان:

إذا أراد اللَّه أمرا بامرئ *** وكان ذا رأي وعقل وبصر 
وحيلة يعملها في كل ما *** يأتي به محتوم أسباب القدر 
أغواه بالجهل وأعمى عينه *** فسله عن عقله سل الشعر 
حتى إذا أنفذ فيه حكمه *** رد عليه عقله ليعتبر

لتكن عقولكم أكبر من: ذكرت مصادر الجزيرة، أكدت مصادر إخبارية كذا، لتقوم مثل هذه الصحف بدورهم في تخفيف احتقان معين بناء على وهم ومبالغة، أو السخرية بمطالبات الناس، ولن تقنعنا بعض الأخبار الصادقة، على صدق بقية الأخبار المفتراة والكاذبة. 

ومن جهة أخرى.. علينا أن ندرك خطورة نشر أي شيء في برنامج الواتس أب والبلاك بيري فقط لأنه وصلنا، لنحذر من نشر الأحاديث الموضوعة، والأخبار الكاذبة وإن أضيف لها الصور ومهما كانت درجة إقناعها، فأنا أستطيع الآن أن آتي بصورة قتيل ممزق، وأقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله حادث قتل مدير قسم الكذا في أحوال رفحاء، ألهذه الدرجة هانت دماء المسلمين؟!! وأصنع قصة طول بعرض، كما حصل في كذبة المعلم المقتول بالسيوف!! وما أكثر ما يظهر مثل ذلك عن السعودية، وبشكل يومي، وغير طبيعي مطلقًا، ومن تتبع يومًا -كما أفعل أحيانًا- بدايات الأمر، ستحس أمرًا مريبًا يحيط بك، ومن حولك، وبوجوه غاية في البراءة، وتدّعي التباكي الصادق، وما الأمر إلا إشاعة وكذبة متقنة.. لا يمكن -مع هذه الكثرة اليومية- أن يكون محض صدفة.. أو متعة مراهق.

أستطيع أن آتي بصورة ملتقطة من إحدى دروس الشيخ صالح المغامسي، وأكتب موضوعًا كاذبًا عنوانه (قصة الشيخ المغامسي مع المتصل الفرنسي) وأكتب مقالًا يذكر قصة خيالية (غالبًا ما تكون مشبوهة) وأنشرها عبر الواتس (للنساء غالبًا.. وعذرًا يا أخواتنا) وسنجد بقرًا وببغاوات ينشرون دون اهتمام ولا مبالاة ولا تثبت، وربما طلبًا للأجر مع الأسف!

الشائعات في البلاك بيري والواتس أب حاجة ثانية بالكاد يكفيها موضوع واحد، أما الأحاديث فيدع الناس أحاديث البخاري ومسلم ومافيها من فضائل ووعد ووعيد ويذهبون ليأتوا بأحاديث غريبة عجيبة خرافية، ولا قصص ألف ليلة وليلة، وينشرونها بحماس يفوق حماسهم حين ترسل لهم حديثًا صحيحًا، ولا يمكن أبدًا أن يكون ذلك محض صدفة، حصلت مرة من المرات، هل هناك صدفة بهذه (الجدولة) السنوية؟!! لا يمكن مطلقًا.. لكن للأسف وسائل التتبع في مواقع التواصل ووسائل الدردشة صعبة للغاية، وأقصى ما يصل بك البحث الطويل (الطويل حدّ الملل) هو (مشاعر) و(أحاسيس) تعلم يقينًا أنها تصل بك لحقيقة مريبة، لكن لا تستطيع الجهر بها خشية من اتهامات الوسوسة.

فقط.. تأنوا فإن العجلة من الشيطان، وتثبتوا كي لا تُعرفوا بالكذب عند الله تعالى وخلقه، فإن العاقبة وخيمة، ولا تشوهوا وطنكم ومجتمعكم ومدينتكم بسلاح الإشاعات.. فإنها -كما يبدو- صارت في السنوات الأخيرة سلاحًا غاية في القوة والخطورة.
3 تعليقات
إرسال تعليق

تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.

إعلان أسفل المقال