يعجبني كثيرًا ذلك البريق الذي أراه في عيون الكهول، آمالهم التي تتجدد معهم تربت على أكتاف مشاريعي الفاشلة، ومحاولاتي المتعثرة، وتعزّي الأفكار التي تراكمت في مخازن الذكرى، منسيّةً في موانئ الغفلة، بعضها ضحايا تثبيط وعقبات، وأخرى فرق بيني وبينها الكسل.
كلما خطّت استفهامات الفشل خدودها على ملامحي، نفرتُ لمشاريعي الناجحة، أستنجد بها، وأقلق من ألا أجد منها شيئًا، وأهلع من عدم تواجدها يومًا في حياتي أساسًا، وأظلّ حيرانًا حزينًا حتى يبرق أحدها من بين ركام العادة، ويذكّرني أنه متواجدٌ في لحظات يومي وليلتي، وذو قيمة، وأنه –وإن غفلتُ ونسيت- مشروعٌ ناجحٌ استقرّ في حياتي، وبقي مالئًا لعيني، حتى علاه غبار الاعتياد، وازدحمت حوله الوجوه والمواقف.. ومتغيّرات الحياة.
يعاتب غفلتي ويذكرني: أنا مشروع مراهقتك وسنوات العشرين يا ابن الثلاثين، أنا انتعاش فكرك والتزامك وجهادك لنفسك ومزاج غيرك، أراك تقف في ثلاثينك تفتش عن المحفزات، وتستكشف دوافع الناجحين، كأنك مستجدٌّ في دروب الحياة، فمالك غفلت عما وُفّقت يومًا إليه؟ فمحفزاته على مقاسك، ودوافعه تجارب خضتها وأيامًا عشتها.
تسألني يا صاحبي عن محفزات المرء في دينه ونجاحه وتميزه؟ سأشير إليك وإلى كل امرئ يسأل ذات السؤال بعد أن سلك في الحياة مفاوز.. بسبّابة تخصّه، راجيًا منه أن ينفض الغبار عن تجاربه الناجحة.
من أمسك الخريطة ومدها لي لأدله على مسالك طريقٍ سلكه هو مرّات ومرّات، سأدله على عقله، يفتش فيه، ويستجدي نجاح الوصول في ماضيه.
إن رأيت شابًا يفتش عن الإيمان بين أوراق الرقائق، سأطلب منه أن يتأمل، ويحاسب نفسه، ويتذكر تلك الليالي والسنين التي كان يقوم فيها بكل سرور في جوف الليل، فيتوضأ ويقوم لله والناس نيام، وأقول له: هناك تجد الحوافز في تلك الذكريات، وهنا كذلك.. في مكان ما من قلبك الذي خالط بشاشة الإيمان وذاق حلاوته، وفي عقلك الذي مرّ بتلك التجربة بمحاولاتها ومحفزاتها وصعوبة بداياتها وألفة أوسطها، ثم خطوات النهاية والتفريط.. والانقطاع.
إن رأيته يترنح بين مؤلفين ومدربين يخبرونه كيف يقرأ الكتب، ويتصفح الأسفار، أغمز لماضيه، وأهمس لتجاربه، لعله يرى نفسه حين كان يومًا يحزن من غزو سلطان النوم لسلطان المعرفة، فيتحسر لأنّ النعاس قطع عليه ساعاتٍ يحلق فيها ويسبح ويغوص في عالمٍ آخر بين الفنون والعلوم والعقول، ثم أقول له: جلسةُ محاسبةٍ جادةٍ تستدعي فيها نفسك من ماضيك، بتجاربها ومحاولاتها وعثراتها، أنفع لك من (كيف) وأخواتها من العناوين التي تتاجر بيأسك وإحباطك.
قناعتي يا صاحبي اليوم، أنني قد مررت بتجارب عرفت فيها ما يحفزني وحفظته حتى أنني أستدعيه بسهولة متى ما شئت، وعلمت أن التحفيز والبيئة والتشجيع وحتى ذلك الحوار الملائكي الصافي الذي تعاتب فيه نفسك كل حينٍ وآن، ليس هو الميدان، بل هو عتاد الميدان وخطته والاستعداد له، أما الميدان.. فهو (تكون أو لا تكون) (تفعل أو لا تفعل).
إنما هي (المجاهدة) يا صاحبي، سنبقى أسرى لأمانينا وأحلامنا إلى أن يستردّ الله –سبحانه وتعالى- أمانته، مالم نخطو الخطوة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة.. وهكذا.
تجاربي الماضية يا صاحبي هي طريق العودة بعد الفشل، وهي كذلك الشرارة التي توقد بها مشعلًا يضيء لك الدروب الجديدة التي ترغب بسلوكها.
تجاربك الناجحة تهندس مشاريعك الجديدة، فثق بالله تعالى ثم بها.
تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.