تُرى ما الذي يختلج في نفس المرأة المسلمة حين تقرأ الأحاديث التالية؟
«إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه» «المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان» «إنّ أقل ساكني الجنّة النساء» «النساء سفهاء إلا التي أطاعت زوجها» «لا يُسأل الرجل فيما يضرب أهله» «علقوا السوط حتى يراه أهل البيت فإنه أدبٌ لهم» «استعينوا على النساء بالعُريّ، فإنّ المرأة إذا كثرت ثيابها، وأحسنت زينتها أحبت الخروج» «ثلاثة لا تتجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط» «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
وما الذي يعتمل في قلوب المسلمين بشكل عام حين يقرؤون هذا الحديث الذي يشبه فيه النبي ﷺ الناس بالحشرات؟
قال ﷺ: «إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها».
إنّ هذه الأحاديث تبدو للوهلة الأولى وكأنها ثغرة جاهزة للنيل من الإسلام من خلال العزف على وتر الكرامة، وعزّة النفس، واستفزاز المشاعر قدر المستطاع كي يصرخ المسلم أو المسلمة قائلين: لماذا تقال مثل هذه الألفاظ في حقنا؟ لا.. لا بدّ من أنها أحاديث ضعيفة، بل موضوعة، ثم يأتيك بعض ضعاف النفوس من المنتسبين للإسلام ويريدون أن يدافعوا عن الدين فيَجْنون حين يحرّفون ماهو مستقيم، وربما ضعفوا ما هو صحيح، وانتقوا قولًا مرجوحًا يدعم هذا التصنيف، أو أتوا بترقيعاتٍ باهتة لو أنهم صمتوا عن قولها لكان خيرًا لهم، ومن المسلمات أو المسلمين من طُمس على قلبه، فهو في طريق منحدر نحو الهلاك، فتأتي هذه الأحاديث للمزيد من التثبيط لنفسه الهزيلة، وقلبه المبتعد عن الله واليوم الآخر، كي يسقط أكثر، عقوبة من الله له على جرأته على ربه: {كره الله انبعاثهم فثبطهم} {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم} {فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه}.
لكن، هل هذا النوع مما تسميه ضعيفات العقول أو ضعفاء العقول (استفزازًا) كان فقط في الأحاديث الموجهة للمرأة؟
أبدًا، فلو أننا أخذنا الأمر بشكل شخصي، لكان نبينا ﷺ أوّل من تعرض لذلك، وكان فرصةً للوسواس الخناس (لولا رحمة الله ثم مقام النبوة) أن يقنعه بأنّ هذا استفزاز له، وحَطٌّ له عن مكانته، ومنها قوله تعالى: {عبس وتولى ❂ أن جاءه الأعمى ❂ وما يدريك لعله يزكى ❂ أو يذّكر فتنفعه الذكرى ❂ أما من استغنى ❂ فأنت له تصدى ❂ وما عليك ألا يزكى ❂ وأما من جاءك يسعى ❂ وهو يخشى ❂ فأنت عنه تلهى}.
وكذلك جاء مثل هذا الأمر في مسألة حساسة ومخجلة له عليه الصلاة والسلام، وهو ﷺ كان مشهورًا بالحياء، لكنه كنبيٍّ كان عليه واجب البلاغ، ولم يقصّر في ذلك البتّة، وكما قالت عائشة رضي الله عنها لو كانَ النبيُّ ﷺ كاتمًا شيئًا من الوحي لكتمَ هذه الآية: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه}، فالعتاب هنا عظيم، وفي مسألة أسريّة تتعلق بزوجة شابٍ كان يُنادى قبل تحريم التبنّي بزيد بن محمد بن عبدالله، ولو كان بعض المطموس على قلوبهم موجودًا وقتها لظنّ أنه قد وجد فرصةً عظيمة لإثارة شعور الاستفزاز داخل قلب النبي عليه الصلاة والسلام تجاه الدين، والوحي.
* * *
أتعلمون أنّ القرآن يكاد يكون جامعًا لهذا النوع من الأساليب التي يراها هؤلاء الزائغين (استفزازًا)؟
حسنًا، سأذكر لكم بعض الأمثلة، بل وسآخذ وضعية هؤلاء في إثارة استفزازكم، لنجرّب معًا النزول في هذا المنحدر، حتى نرى سهولة الضلال، والزيغ، وأنه ليس إنجازًا، ولا عبقرية.
أسمعتم بجيش طالوت؟
هذا جيشٌ أرسله نبيّ من أنبياء اسرائيل بأمر الله تعالى، وعلى رأسه شخص يقال له طالوت كان مختارًا من الله عز وجل لملك بني اسرائيل بعد قرونٍ من الذل والشتات، فلما خرجوا معه للجهاد، وأنهكهم الطريق، وشَكُوا العطش، وجدوا نهرًا أمامهم، ثم جاء الأمر الرباني على لسان طالوت كما حكاه الله تعالى في كتابه قائلًا سبحانه: {فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده ۚ فشربوا منه إلا قليلا منهم}.
ولم يكن يدرك الجنود أن هذه الغُرفَة التي سيغرفونها بأيديهم ستكون كافية لإروائهم، بينما من زاد عليها ظلّ منهكًا وعطشانا، لذلك خالف الكثير منهم الأمر، وشربوا أكثر مما أُمروا به، وليس عندي شك، أنّ الغضب قد بلغ منهم مبلغه، وظهر في نفوسهم في تلك الحقبة البالغة البعد في التاريخ، ما يظهر في نفوس بعض المسلمين والمسلمات اليوم، وهو الغضب تجاه ما يرونه (استفزازا) لمشاعرهم بحسب ما وصلت إليه عقولهم، وكان لسان حال من شرب منهم: (أنذهب للجهاد، بأموالنا وأنفسنا، وهو أعظم ما يمكن بذله لله، فيكون جزاؤنا أن نؤمر بألا نرتوي من الماء قُبيل معركةٍ دامية وقاسية وصعبة؟!! والله سنشرب، هذا غير منطقي، وهذا ظلم، وقهر، والله أعدل من أن يرى منا هذا البذل في ابتلاء الجهاد ثم يحرمنا من هذا النهر كابتلاء.. إلخ إلخ)، لكم أن تضعوا ما تشاؤون من الحجج التي كانت تهمس في رؤوس من خالفوا الأمر بعدم الإكثار فوق غرفة اليد، وبَدَت لهم غاية في المنطقية.
وإليكم قصة أخرى حصلت مع الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، وهي تحريم الصيد في عمرة الحديبية، فما الذي جرى بعد هذا التحريم عليهم في حال الإحرام؟ الذي جرى لم ير الصحابة مثله في حياتهم، وغالبهم من أهل مكة، ومن أهل الصيد.
فحين حُرّم عليهم الصيد رأوا الطير فراخها وصغارها وكبارها وما يندر منها وما تلتذ له العين والذوق، ويبحث عنه أهل السوق، تغشاهم في رحالهم وبين أمتعتهم، بل إنهم يَصِفُون ما حصل بأن هذه الطيور والصيود كانت مستسلمة لهم حتى أنه لا يحتاج لإمساكها إلا أن يمدّ الصحابيّ يده من مكانه فيلتقط مالذ وطاب، وقد وثّق القرآن هذا الأمر، فقال الله عز وجل لهم: {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب ۚ فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}.
ماذا يمكن أن يقول أهل تلك العقول إياها لو أنّهم كانوا في ذلك الزمان؟
حسنًا، أعتقد أنني سأتحدث نيابة عن عقولهم (بكل سهولة) وأقول: ما الداعي لذلك؟ قد مرّ الصحابة بكل ما يمكن أن يمتحن إيمانهم، لقد مروا بالفترة المكية وذكرياتها الأليمة، فقد مات أحبتهم، وعُذّبوا تعذيبًا ما عهدته جزيرة العرب في تاريخها المذكور حتى وصل إليهم، وتمّ تجويعهم وإهانتهم في رجولتهم وأعراضهم وكل ما يستفزّ الصخر، ثم هاجروا وتركوا أموالهم وبيوتهم وعلاقاتهم وتجاراتهم وبلدهم، وتعرضوا في الهجرة للحظات الغربة، وإحراج البدايات، ثم تعرضوا لكل ما هو مخيف من معارك ومقابلة السيوف، وأثبتوا أنفسهم في بدر، وأحد، والخندق.. وغيرها، وقد بلغت قلوبهم الحناجر مرات، ورأوا عوائلهم ترفع السيوف عليهم، وتنقلب شياطينًا تريد الفتك بهم وتعذيبهم، فثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجاوزوا معه كل هذه العقبات، ثم في النهاية يتم استفزازهم في جوعهم وهم محرمون ملبّون؟ لماذا يتم امتحانهم بعد كل ما جرى بمثل هذا الامتحان؟! بل ويُربط النجاح فيه بمسالة عظيمة جدًا في الإسلام وهي (الخوف من الله)؛ ثم يُتبع بوعيد شديد على من يخالف وهو (العذاب الأليم)!!
وقد وُجِد هذا (الاستفزاز) عند بعض المؤمنين، كلّما علا إيمانهم وارتفع، صحيحٌ أنّه ليس الأصل (فالأصل العافية كما ذكر أهل العلم، والأصل أن يطلب المؤمن العافية ليلًا ونهارًا)، لكن هذا الأمر قد يعْرُضُ لبعض المؤمنين لحكمة يعلمها الله تعالى، وهو الحكيم العليم، يقول ﷺ: «إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم»، وحين سئل ﷺ عن أشدّ الناس بلاء؟، قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رِقَّةً ابتُلِيَ على حَسَب دِينه، فما يَبْرَحُ البلاءُ بالعبد حتى يترُكَه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة».
إذن، ما ردّة الفعل المتوقعة من أهيل تلك العقول (المنطقية!)؟
سيقولون: هؤلاء المؤمنون يحافظون على الصلوات الخمس، وبقية الفرائض، ويتقربون إلى الله تعالى بالنوافل، ويمسكون على جمر الصبر عن الشهوات والشبهات والمغريات، ويستمرون على هذا النهج والسلوك سنوات طويلة، حتى يرتفعون درجات في الإيمان، بل لعلهم بلغوا درجة الإحسان، فيعبدون الله كأنهم يرونه، ويكون نتاج كل ذلك حرمان العافية وابتلائهم؟ بل وكلما زادت درجاتهم زاد ابتلاؤهم؟!
* * *
الأمثلة كثيرة من الكتاب والسنّة على وجود هذا الاتجاه (المستفز) لنفوس المؤمنين والمسلمين والبشر عمومًا، وقد ذاقه إبليس قبل ذلك، حين كان صالحًا ومن أهل الملأ الأعلى، فلما جاء الأمر له بالسجود لآدم، قبّح فِكْرَه الأمر له، ورآه استفزازًا، واستنكر وقال: كيف أسجد لمن خَلَقْت من طين؟!! وأنا من نار!! وما عندي شك أن الأمر كان مستفزًا له حقيقةً، لكنه لم يدرك أنّ هذا الاستفزاز هو الامتحان بعينه، لا مجرّد حركة السجود التي تقدر عليها أعضاؤه وليس فيها من التحدي شيئًا، فالله عزّ وجل لم يتحدى معاقًا عن الحركة على السجود، بل تحدى معافى في بدنه، ويقدر على الانبطاح لو شاء، لكن الامتحان متعلّق بأمور أخرى تستفزّ المأمور، وكيف لا يجتمع الامتحان مع استفزاز العقل؟ لا يمكن ذلك، فهما متلازمان.
{وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا ❂ قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا ❂ قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا}.
بينما لو كان إبليس ومن يفكر اليوم مثل تفكيره (والذي سبّب له اللعن إلى يوم الدين، وأخرجه من الجنة خروجًا لا عودة منه، وجعله ضالًا مضلًا مصيره العذاب الأبدي) من نساءٍ يستنكفن ويتكبرن على أن يقال عنهن مثل تلك الألفاظ في تلك الأحاديث، أو رجال يعززون لهنّ؛ لرأوا أن عظمة مُنْزِلِ الوحي وليس عظمة الكلمة أو الفعل الصعب على نفوسهن، هو ما يحكم سَيْرَ الأمر، ويخلُقُ الدّافعَ المِثاليّ لردَّةِ الفعل.
كل هذا امتحان، والامتحان فيه استفزاز، وهي أهمّ سماته، وانظروا بالله عليكم لوَصَايَا وتجارب المقابلات الوظيفية -كمثال- والتي يطأ فيها الإنسان من ذكرٍ أو أنثى على مشاعره طمعًا في النجاح والتجاوز، بل ويعتبرون تجاوز استفزازات المقابلين نوعًا من التذاكي والفنّ، وتُقام لذلك دورات، ويستفتى مجربون من الطرفين (المُقابِل والمقابَل)، وتُذكر قصص نجاح ممتعة حول هذا الموضوع، بل ويعتبرونها طرفةً من طرائف الحياة، ولا يَحْملون تِجَاه أولئك الذين قابلوهم إلا الاحترام والتقدير، لأن من قواعد الصعود على سلم النجاح في عالم الشركات: (احترام القوة)، وقد قرأت هذه القاعدة مرارًا كلما مرت علي نصائح العمل في الشركات، ويستقبلها الشباب والشابات بحفظٍ وحرصٍ واستحضارٍ واستذكار؛ لأنّ (الأمر هكذا)، وهذه هي الحياة.
لكن هل ترى مثل ردة الفعل هذه مع الله عز وجل وهو المثل الأعلى؟
لا، بل يُقَال: لماذا لا يكرّمنا؟! ولماذا هذا الاستفزاز الذي لا يتقبله عقلي والذي -سبحان الله- يتقبله من الخلق الذين هم أقوى مني وأحترم قوتهم؟!
أختي المسلمة، أخي المسلمة، الله -عز وجل- غنيٌّ عنك، ومن عزَّ نفسه على الله هلك، والقرآن طافحٌ بمثل هذا التذكير، والذي خلاصته: الله أقوى منك، الله خالقك، الله خلقك للامتحان، الله لا يُسأل عما يفعل، بل أنت من يُسْأل، النجاح في الامتحان العظيم لمصلحتك، فالله غني عنك، والغرور مهلكة، والتكبر على أوامر الله خسران عظيم، وهو خلق حياتك، وهو خلق الموت الذي ينتظرك، فإن استطعت أن تهرب من ملكوت الله ومن قدر لقائه.. فاهرب، وإلا فاستسلم له.
وهذه المعاني التي ذكرتها لا يليق أن آتي لها بآية هنا، بل الاستدلال عليها لا يكون إلا بأن أهديك مصحفًا وأقول لك اقرأه كله؛ لتجد هذه المعاني تتكرر بشكل مباشر أو بالمفهوم أو بالاتعاظ من القصص في هذا القرآن العظيم، من أوّل صفحةٍ لآخرها.
الاستفزاز جزءٌ من الامتحان، والمسلمُ عليه أن يطأ على (عزّة إبليس) التي أهلكته، وتكون مهمته مع مثل هذه الأحاديث أن يعرف المطلوب منها ليتعظ ويعتبر ويعمل ويتذلل لله ويقول (سمعت وأطعت يا ربي)، لا أن يقف مع الألفاظ ويقول: لماذا؟ وكيف؟ فهنا هلك الهالكون، فنسوا المطلوب منهم، ووقعوا في فخّ الامتحان.
حتى في أخلاق التعامل الاجتماعي، تجد الناس يستعيبون الفتى الذي يكثر من لماذا وكيف ويعيد الاستفسار ويعقّب على أوامر الكبار، ويعتبرونه رخوًا باردًا، وعلى العكس من ذلك يصنفون المطيع الذي يحترم أوامر الكبار بالكفؤ واللبق.
* * *
فإذا قرأت المرأة أن أكثر أهل النار هن النساء، فيفترض أن العاقلة بحق تبحث عما يصرفها عن النار من فضائل الأعمال، ويفترض أن تخشى على نفسها فتجاهدها لمصلحتها، وتخشى على أحبتها فتنصح لهم وتوجههم، لكن المخذولة والسفيهة تجدها تقف عند ألفاظ الحديث (موضع السقوط في الامتحان)، وتصادم خالق الأرض والسماء، وتحاكمه في أرضه، وبلسانها الذي خلقه، وتصرخ: لماذاااا نحن أكثر؟ لماذا ليس الرجال؟!! أين العدل والمساواة؟
حسنًا؟ وإذا كان أكثر أهل النار الرجال؟ ما الذي يفيدك هذا الأمر إذا كنتِ من النساء القلّة التي معهم في النار؟! وماذا سينفعك حينها لو أنّ أكثر أهل الجنّة من النساء ولستِ معهن؟! وهل كان سيرضيك أن يُقال لكِ أنّ كمية الرجال والنساء في النار (فِيفْتي.. فِيفْتي)؟!! متساوية في النسبة؟ ما رأيك أن تتحكمي كذلك بزمان الدنيا؟ أو تعترضين مثلًا على خِلقَة الإنسان؟ أو عدد درجات الجنّة؟ أو تبدين ملاحظاتك حول قِصّة الخلق؟! أو مجرد وجود النار؟! أو ما رأيك أن يعيد الله تعالى قصّة الخلق، ويخلقك قبل كل الكائنات ويستشيرك -جل وعلا- في تفاصيل الامتحان كي يكون على مقاس مشاعرك؟
فتُضيّعين عمرك في محاكمة خالقك محاكمةً خاسرة، يكون مصيرها ما ذكره الله من مصير أهل الضلال في البشرية التي سبقتك وغلبت عليهم شقوتهم: وهو أنه كبهم على وجوههم في النار خالدين فيها ولا يبالي بصراخهم وتوبتهم المتأخرة واستسلامهم الذي جاء بعد الامتحان لا أثناءه، فاحذري أيتها المسلمة أن تكوني من هذه الفئة من أهل النار: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ❂ لعلي أعمل صالحا فيما تركت ۚ كلا ۚ إنها كلمة هو قائلها ۖ ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ❂ فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ❂ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ❂ ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ❂ تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ❂ ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون ❂ قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ❂ ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ❂ قال اخسئوا فيها ولا تكلمون}.
(احترموا القوة) أنا أتفق مع هذا المبدأ، لكن للأسف أن غالب من يردده لم يحترم القوة التي خلقته، وخلقت معه الموت والحياة والابتلاء والامتحان، فرأيت بعض النساء اللاتي كنّ في الأصل مسلمات، قد ضاعت أعمارهن، وفرصتهن الوحيدة، وامتحانهن الذي لن يتكرر، وهلكت وهي تقفز من اعتراض إلى اعتراض، حتى صُرفَ قلبها عن القضية التي وجدت من أجلها، وهي الاستسلام لله تعالى، وهي المرتبطة بمصيرها بعد الموت، ووقفت تحلل ألفاظ الحديث النبوي والآية القرآن، كأنها مراهقة تحاكم صديقتها على أسلوبها في الدردشة معها، والذي لا يحترم مشاعرها ولا يقدّر مزاجها الشخصي!!
فافقهوا طبيعة الامتحان، حتى تدركوا طريق النجاح فيه، وتفرّوا من فخاخه، ومصائده.
تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.