تمرّ هذه الأيام ذكرى مرور عشر سنوات على اندلاع ثورات ما سمي في ذلك الوقت بـ (الربيع العربي)، شارك في هذه الثورات شخصيات ربما تختلف حول كثير من الأمور، لكنها تزعم أنها تمجّد المساءلة، والجرد، والمراجعات، لذا كانت هذه الوقفات العشر:
. الاحتقان يجيز إحراق النفس، والانتقام:
من ذكريات تلك الفترة، ما صنعه بو عزيزي رحمه الله، حين أحرق نفسه، فأشعل المنطقة نارًا وشرارًا ليومنا هذا، طفا على السطح حينها مسألة الانتحار، وكيف يتم تبرير هذا النوع من الاحتجاج بحُجّة الغبن والقهر، وكلما جاء من يبين حرمة هذا الأمر، هوجم بحجة نقاشه الفقهي المترف، وتجاهله للدوافع.
بل رأينا حينها كيف تظهر الفرحة والانتظار والترقب عند ظهور إشاعات عن إحراق محتج ما لنفسه، وغياب أي تبيين صارم وجاد لحرمة هذا الأمر وبشاعته، إلى نقل الحديث إلى مناطق تقلل من قبحه، وتجعل من صاحبه أسطورة تغير التاريخ، بل وربما الجغرافيا!
بالتأكيد كانت تظهر فتاوى هنا وهناك، لكنها من طبقات صوتية لا تأثير لها، فعلى مستوى المؤثرين، كانت هناك أسطرة لهذا النوع من الاحتجاج، وغض طرف عن بشاعته، بالنظر إلى النتيجة التي يطمعون من ورائها.
أما التلذذ بالانتقام، والذي لا يوافقه لا شرع ولا قانون، فقد كان سيد الموقف في كل الأحداث، وكان أول المسائل التي غاب فيها تحكيم الشريعة على يد دعاته، وقس على ذلك.
. تزبب وهو تمرة!
من أعجب مشاهد تلك الفترة، حين رأت الشعوب المتخصصين بالعلوم الشرعية، صغارهم وكبارهم، يتصدرون لمثل هذه الفتن، ويزيدون فتيلها اشتعالًا.
وقد يتساءل المرء: طيب حالهم كحال غيرهم من البشر، يتفاعلون مع حدث ارتجت له المنطقة، ويناقشون فيه، كأصحاب المقاهي، ورواد مواقع التواصل.. إلخ.
والجواب هيّنٌ بيّن، فتصدرهم للمشهد، على الأقل الفئة المؤثرة منهم، لم يكن نقاشًا عفويًا بريئًا؛ بل دخلوا بالكتاب والسنّة والآثار لشرعنة ما يجري بناء على تصورات دُسّت في أذهانهم من قناة الجزيرة وامتداداتها التي اتضح ارتباطها مع الأيام بجهات لا تريد بنا ولا بالمنطقة العربية خيرًا، والأمر بسيط، الإتيان بقال الله تعالى وقال رسولنا ﷺ وإسقاطها على الواقع لمجرّد المشاعر والأحقاد وربما الاشتهاء أو بسبب تأثير المشهد.
وإن تعجب، فاعجب منهم حين تراهم يحذرون من الماجريات، ثم يقتحمونها حين تشتعل!
وقد فصلت في هذا الأمر وآثاره في مقال: [ النقطة العمياء والمظلة المفقودة ! ]
. فقهاء الواقع وخيبات السنين.
لم تكن هذه الثورات أول خيباتهم، فلا زلنا ننتظر احتلال المملكة العربية السعودية على يد القوات (الصليبية) من داخلها كما وعد كيسينجر!، ولا زلنا نتذكر تحليلاتهم المتخمة بعناصر المبالغة والتهيؤات والأمنيات والمعلومات المغلوطة (وهي الأكثر).
فقد وعدوا الشعوب بألا حروب أهلية، ووعدوها بالنصر الحتمي وإن تأخر، وخلطوا بين التحليلات والأمنيات (بل والخداع والكذب)، وكانت الاستخبارات المتربصة بالأمن القومي العربي قد منحتهم التصوّر، فقبلوه كله بلا تردد، فلما غلبهم الواقع الذي زعموا أنهم فقهوه أخذوا يلومون (الثورات المضادة) كما يسمونها، ويقصدون بها الأنظمة التي لم يوصلهم فقههم إلى أنها لن تُسلم لمن يركض في الشوارع رؤوسها وعوائلها ورجالها، وسيواجهونهم بكل قوة، ويرون أن ذلك من أوجب واجباتهم التاريخية للحفاظ على دولهم، ويعتبرون ذلك كرامة لهم ومجدًا ولن يترددوا في فعل كل مقتضيات الانتصار على من يرونهم خوارج أغبياء يظنون أن الركض في الشوارع يفتح القصور الرئاسية والوزارات السيادية والمؤسسات الأمنية، ويجعل الجندي يضع سلاحه لك!
ولومهم لمن يطلقون عليهم (الثورة المضادة) يبيّن ضيق أفقهم، وقِصَر نظرهم، وأنهم أبعد ما يكونوا عن فقه الواقع وإدراك مآلاته القريبة، إذ أن من يتفاجأ من أحداثٍ كبرى أطلت عليه بعد أشهر من انطلاق الثورات، كمذابح الشام وليبيا ثم الانقسامات والتدخل الدولي، فهذا حرامٌ عليه أن يدعي فِقه شؤونه الخاصة فضلًا عن فقه أمرٍ بالغ التعقيد وسريع التبدل.. كالواقع، والذي بيّن التاريخ أن حكومات كبرى بمؤسسات ومنظمات وتحالفات ومليارات صرفت لفقه هذا الواقع ما صرفت فحصل منها خيبات، وانتكاسات، وأخطاء، فما بالك بأفرادٍ بالكاد يستوعبون تغيّرات يومهم وليلتهم؟
وفقههم العجيب للواقع كما يزعمونه تَوقّف عند الثورة على الوعود والأحلام، لكنه لم يتنبأ بما سيحصل على الأرض، لذلك رأينا من يشمت بقتل الحاكم، ويقول: أين هي الحرب الأهلية؟ لا حروب أهلية، فالشعوب واعية وتجاوزت التشاؤم.. إلخ، ولعمر الله إن تجربة كهذه كانت لتكون درسًا تاريخيًا يدرك فيه الناس أن فقه الواقع قمة لن يصل قربها إلا من يمتلك أدواتها والتي ليس منها مركز بحوث يقوم عليه إخواني يدسّ أمنياته في تلك الدراسات، بل الأمر أعمق وأخطر، وإذا كانت أمريكا لديها أكثر من ٤٠ مؤسسة ولجنة وأجهزة ذات ميزانيات تريليونية للتقييم والدراسة والعمل التجسسي بالتوازي مع تحركات عسكرية ودبلوماسية لتلخيص معلومات وتصورات وسيناريوهات حول أحداث إقليم معين تحصل فيه أحداث معينة، فما بال من كان يظن أن أمثال عبدالله النفيسي وياسر الزعاترة وأحمد فهمي وشيوخ و"مفكري" الصحوة وأسماء كثيرة من غيرهم، بالإضافة طبعًا إلى محللي قناة الجزيرة، ومراكز دراسات الإخوان من المتخرصين وأصحاب "الهَبد" وخدمة الأجندة المتربصة والتخيل والتمني والكلام على البديهة المعيبة قادرون على منحك تصورًا مستقلًا عما يجري؟
فلتحمد الله تعالى أيها الخليجي، ويا أيها العربي من الدول التي سلمت من هذه الفتن، أن خداع و"هبد" هؤلاء لم يتجاوز وعيك، فالوعي من الممكن إدراكه، لأن هناك دولٌ انصبت عليها الفتن صبًا بسبب تحول خداع هؤلاء إلى حشود حالمة اصطدمت بواقعٍ معقّد لن يُسلمهم ماضيه، وسيدمر حاضرهم، وقد حصل.
إنّ هؤلاء أرادوا -إذا أحسنا الظن- الاستقلال عن تصورات أوطانهم، فانتقلوا لتصورات أوطان وأحزاب أخرى، وتحول البحث عن الاستقلالية إلى خيانة صلعاء.
. ليست فتنة.
إليك هذا المشهد الظريف:
ظهر الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله بعد تطورات الأحداث بفترة، وذكر أن ما يجري (فتنة)، ولا ينبغى الخوض فيها.
فتمت "هشتقة" الشيخ في مواقع التواصل مرارًا وتكرارًا، وشارك في هجائه الكثير من الشخصيات الصحوية والإخوانية والذباب التابع للدويلات المتربصة وحزب الإخوان بألوان طيفه المتعددة من القاعدة يمينًا إلى أحزاب العدالة بأشكالها وأنواعها يسارًا، والرقيق منهم من كان يسلخ الشيخ دون أن يذكر اسمه.
وظهر حينها أحد (العلّامات) المستجدين، والذين تم صناعة سُمْعَتهم (العلّامية) بسرعة الضوء ليكون موازيًا لهيئة كبار العلماء في الوجدان الشعبي، وذكر أن ما قاله الشيخ الفوزان دون أن يسميه هو الفتنة بحد ذاتها، وأنه كثيرٌ ما يكون التحذير من الفتنة.. فتنة بحد ذاته! ثم يُسقط قوله تعالى عن المنافقين: (ألا في الفتنة سقطوا) في ذلك التوقيت الذي يهاجم فيه سفلة الناس وغوغاء البشر الشيخ الفوزان وكل عالمٍ استحضر في فتواه طريق السُنّة ودولة مباركة يثق بتصوراتها عن الأحداث، ولكم أن تتصورا اللوازم الخطيرة لإسقاط هذه الآية والهجائيات على هذا الشيخ الكريم.
وبعد عدة أشهر زاد اشتعال الأحداث، وحصل ما حصل مما كان يحذر منه العلامة صالح الفوزان، وأخذ يتباكى بسببه من هجا الشيخ، وبدأت كلمة فتنة تُتَدَاول بين عموم الناس، بل وفي تلك البيئات الثورية، فرأينا ذات (العلامة) يؤصل لواقع الفتنة معترفًا بحصولها بكلام كثير متكرر عنها وعن مخارجها خلاصته: صحيح،، هي فتنة، وسببها نحن، والمعاصي والذنوب وترك أوامر الله! ويقول: سفك الدماء فتنة لأهل الأهواء.. ثم تجده يقول: من قال أن الفتنة بشعة؟ إنها تستبين سبيل المجرمين، ولا يكون الإيمان في بعض المناطق إلا مع حصولها!!
ومن العجائب أنه قال في البداية أن (القول بأن ما يحصل فتنة، هو بحد ذاته فتنة)، ثم تجده يقول بعدها ما ملخصه أنه (فتنة.. ولهذا فضائل)، فهل فُتن بقوله الأخير هذا؟!! أم أنّ الواقع يتغير بتغير فهمه له؟!
هيا، لنحرق الأمن بأنواعه أيتها الشعوب المسلمة، كي تحصل الفتنة الجميلة، ويستبين سبيل المجرمين بيننا، ونجعل أهل الشام يهنؤون بإيمانهم، لنقصدهم بالهجرة، وفقط، هكذا، إذا استبانت سبيل المجرمين، اكتب أسماءهم، وصوّر معها، واستمتع بمنظر بلاد الإسلام والعروبة وهي تُخترق من أنجس البشر من أراذل الميليشيات سنتها وشيعتها، ولا أنصحك أن "تهاجر" من "دار الكفر" التي أنت فيها نحو الشام حاليًا، فستجد ما يُعتبر عكس الإيمان تمامًا.
وهكذا وجد هذا وأمثاله من (العلامات) مرغمين يتحدثون في ظل اعترافهم بأنها فتنة، فهل يعتذرون للأمة؟ للشيخ؟ لا، أما إن سألت لماذا؟ فلا أملك لذلك جوابًا، فالاحتمالات كثيرة، وكلها أبشع من بعضها، ويصعب التحديد.
وأفجع من هذا (العلامة!) من كنا نصلي خلفه لسنوات، ونحسن الظن به، في أطهر بقاع الدنيا، فلما قال الشيخ الفوزان قوله، لمزه بأنه جسدٌ محنط وقع في الفتنة، ورمى عباءة الإمامة، كما رمى غيره عباءة العلم، وظهروا كناشطين سياسيين في مسائل هم فيها أجهل من الحمير التي تحمل أسفارًا، وأنا أقول هذا القول وأعنيه ديانةً، وعليه أن يدركوه جيدًا: إذا كنت تحفظ القرآن، أو تعرف طريقة شرح الأصول الثلاثة، أو حتى البخاري، بل وتفسير كتاب الله تعالى، فهنيئًا لك والله، لكن إن خرجت بطرحك بأدواتك الشخصية نحو مواضع الفتن، ولستَ في هذا الخروج قائدًا لدولة تصله التقارير المركزة عما يجري من وزارة الخارجية والاستخبارات ومراكز البحوث وديوانه من متخصصين في كل تفصيلة تخدم هذه التقارير، غير ما يصل له من الحلفاء، ولا متخصصًا في الأقسام التي تعنى بالتحليل السياسي، فأنت حينها كالحمار الحامل أسفارًا، وأنت رميت عباءة الفضيلة وتحولت لأحمق في الفتن، وسفيه، لكن حماقتك مؤذية، وسفاهتك خطيرة جد خطيرة، وعليك أن تدرك جدية هذا الكلام، وخطورته، وأنا أقوله بعد أن ذقتُ مع جيلي مرارة هذه السفاهة منذ أحداث سبتمبر ليومنا هذا، وقد رأينا المقدمات.. ورأينا النتائج، ولم نقل هذا الكلام القاسي والذي نعني كلّ حرف منه إلا بعد أن رأينا النتائج التي أثبتت أن هؤلاء خطر على أنفسهم، وعلى المجتمعات الإسلامية، لا أفرق بين واحدهم في القاعدة، ولا في الإخوان، ولا في السرورية، ولا في التنويريين، كلهم جابوا العيد في هذه الأمة، وربح اليسار، وإيران، وأدواتهم، لولا أماكن تداركها عقلاء العرب، وإلا احترقت جزيرة العرب ومصر والجزائر بأهلها.
وإني -ولا بأس أن أستطرد في مجال الفتنة- أشهد بما رأيت: أنه ما وطأت مشاريع هؤلاء الفئات بلد من بلدان المسلمين، إلا وكسرت البقية الباقية من حصونه، واغتصبت نساؤه، وأقيمت المجازر، وخسر أهل السنة الكثير فيه، وهذا ليس تبرئة للمجرمين من الآخرين، لكن على المسلمين أن يدركوا المجرم الآخر الذي عاونهم بحماقته وسهولة اختراقه وغروره وعناده ومغامراته وشعاراته على اختراق حصون الأعراض والدماء، ثم اختفوا من هذه الدول بالقتل والسجن وتركوا عموم أهل السنة وراءهم على أسوأ ما يكون من حال منذ فجر الإسلام، وأحرقوا مكتسبات جهاد الصحابة والتابعين وتابعيهم، وورث الفرس وغيرهم ثروات تلك البلدان ومفاصل القوى فيها.
أين ذهب مشروع بن لادن ووعوده ورجاله؟ وقد قتل على يد من أحرق بلدان المسلمين وقتل أبناءنا كي لا يأمنوا فجاؤوه في عقر داره، وتشتت جمع أتباعه، وهزمتهم أمريكا شر هزيمة؟ وأين ذهب مشروعهم في العراق؟ وأين ذهب مشروع داعش؟ وأين خزعبلات أن طالبان لن يحاوروا الأمريكان ولن يتدنس الملا عمر في وقته بمصافحتهم فضلا عن محاورتهم؟ وأين وأين؟ كله هباء وباطل ووهم، وإني أشبه هؤلاء بالعائل المستكبر الذي لا ينظر الله إليه يوم القيامة ويبغضه ولا يزكيه وله عذاب أليم؛ لأنه جمع بين الغرور وعدم وجود الأسباب الداعية لهذا الغرور، ولك أن تذكر كم مرة رأيت واحدًا من رجال ومراهقي القاعدة وداعش وهو يظهر في المقاطع يرفع إصبعه رفعة لم يرفعها هارون الرشيد ولا معاوية بن أبي سفيان ولا أي قائد من قادة المسلمين عبر التاريخ، يهددون فيها (الدول الغربية) كلها، حزمة واحدة، بقضها وقضيضا وجيوشها بأنه لن تأمن بلدانهم حتى تأمن فلسطين وتتحرر بلاد الحرمين كما يصفونها، بل والله رأيت مرات ومرات من يطالبهم بالإسلام أو دفع الجزية أو القتال، في مشهد سريالي ما عندي شك أنه لو رآه عمر أو معاوية أو عقلاء القادة عبر التاريخ لسخروا من قائله على هذه التهديد العام لمجموعة من الأمم لم أجد في التاريخ الإسلامي ومن قادته العظماء من صنع مثله، وإننا والله قد عشنا وقرأنا غرورهم الشديد وعنجهيتهم (لدرجة شيطنة من يريد أن يناقشهم فقط وتكفيره بل وتهديده بالقتل) في المواقع والمنتديات ووعودهم التي تمس السماء، ولم يَعِد بها حتى الله تعالى في كتابه، فلم تزدهم الأيام إلا خسارًا، والمصيبة أنهم لم ولن يعترفوا بالهزيمة، والتي اعترف بها المسلمون في عهد النبي ﷺ في أحد وحنين، بل يتكؤون على أن العاقبة للمتقين، مطلقًا، فتدمّر الأمة بمغامراتهم الشيطانية، متكئين على وعود النصر في فهمٍ عجيبٍ جعلها كالجزرة المعلقة أمام الحمار!! وحاشا لله تعالى أن تكون معانيها بهذا الفهم السقيم المريض، وكأن هذه الوعود بابٌ مفتوح على مصراعيه لا يمكن -مع فتحه هكذا- أن يكون هناك هزيمة طوال ١٤٠٠ سنة، فبدلًا أن تقول أننا هزمنا في بلاط الشهداء ستقول: لا.. العاقبة للمتقين، وكل من كتب التاريخ من علماء السلف والخلف حول وجود هزائم، وتعداد أسباب الهزيمة [ والتي هي منهج قرآني أوضح من الشمس: (إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا) ] إنما هم منافقون يعيرون المسلمين وقت الهزيمة، وفي الفتنة سقطوا.. إلخ إلخ من الخزعبلات التي يقولونها ويصرخون بها كي لا يسمعونك أو يجعلونك تُسمع عموم الناس وأنت تقول لهم: لقد هُزمتم يا أفشل أهل الأرض؛ لأنكم بعيدون عن أسباب النصر، وقد عاشت دعوة النبي ﷺ ٢٣ سنة، رأى فيها النصر وذاقه وابتسم قبيل مماته وهو يرى أمته تصلي وتتهيأ للمزيد من النصر، وهؤلاء لهم ٣٠ سنة وهم ينتظرون العاقبة، وتدمرت أفغانستان والعراق وسوريا واليمن، وهم ينتظرونه، وإن النصر له أسباب، ومحرومٌ منه من فرط فيها، وإني أشهد أن هؤلاء قد هلكوا وقد حرموا منها، بل صارت نهاية أمرهم خسرا، إذ ركبهم أبناء الخميني وأتاتورك واليسار، ودونك الخائن الظواهري ورجاله في إيران الذين تحمي مؤخراتهم عمائم الضلال التي تستخدمهم لضرب جزيرة رسول الله ﷺ، وهم يظنون أنهم في مرتبة من العزة والقوة والمنعة التي توهمهم أنهم في ندّ مع إيران تجعلها (تحتاجهم) وتتقاطع مصالحها مع مصالحهم، هذا إذا أحسنا الظن بهم، وإلا فالثابت أن الظواهري بلسانه إخواني، وكذلك بن لادن (بلسان الظواهري كذلك) إخواني، والإخوان هم والصفويين أحلى من السمن على العسل، حقيقةً لا مصالح منذ أن دعا سيد قطبي والهضيبي الهالك نواب صفوي، الأب الروحي للثورة الخمينية.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، ورحم الله أمثال ابن باز رحمه الله، والذين كان البعض يعتبره قد قسى على رجالات الصحوة وعلى ابن لادن في بعض الأوصاف (كالضلال، ووجوب الإيقاف.. ونحوها)، إلا أنه كان يرى ببصيرته مآلات ما قاموا به، وصدق ظنه، وخابت وعودهم، وانظروا للواقع، انظروا لنتائجه، التفتوا من حولكم وعددوا نتائج ما قاموا به، إنهم بشر، وجعلوا أنفسهم موضع مسؤولية، وقالوا لنا أن المسؤول يجب أن يساءل، إذن حاكموهم بمبادئهم وسائلوهم، والمصيبة أن يرفض المساءلة والتقويم من يوجب القيام بها على الحكام!!
. (سلميتنا أقوى من الرصاص).. (من قال مالنا غيرك يا ألله.. لن يخذله الله قطعًا).
وكان من عجائب تلك الفترة، ظهور الأطروحات التي توهم الناس بأن مجرد المشي في الشوارع، ورفع الأصوات، وترداد (الشعب يريد إسقاط النظام) سيجعل النظام يسقط تلقائيًا.
ولا أظن أن كُتّابها، وملقي شعارات السلمية، كانوا يؤمنون بهذا الكلام، بل كانوا يُطَمْئِنون الجماهير بها، لأهداف تؤدي إلى المواجهة الحتمية أو بروز مشهد غير معهود في التاريخ وهو استسلام الجنود المدججة أمام مسيرات لا تتعدى ١٠٪ من الشعب لتستولي على المؤسسات، من خلال حشد الناس ثم توجيههم بالاقتراب من القصور الرئاسية بغطاء إعلامي دولي باسم السلمية، وكان الهدف المعلن هو الاستيلاء على المؤسسات الأمنية والسيادية بالسلمية، واستعادتها من الشعوب (ولك أن تتصور الرسائل التي وراء هذه النداءات)، فإذا تمت مواجهة الجماهير بالرصاص، قيل: لقد بدؤوا بالسلاح، لذلك لنا حق الدفاع عن أنفسنا. وهكذا تكون الفتنة، وينتهي شعار السلمية، ليبدأ المشهد بالحروب الأهلية، والتدخل الدولي، وفوضى لا تبقي ولا تذر.
وبمثل هذه الشعارات العجيبة كانت يضج العقل الجمعي لمجانين الثورة، اخرج عاري الصدر، وردد: مالنا غيرك يا ألله. وستقاتل معك الملائكة ولن ثم ولن يخذلك الله تعالى.
ولك أن تأتي أخي الفاضل بشخصٍ كافر متعلم للسباحة، وآخر مسلم يجهلها، وقل للمسلم ردد: مالنا غيرك يا ألله. وألقهما في المحيط، وانظر للنتيجة، سترى فقاعات المسلم تنفقئ على سطح الماء حاملةً لعناته الأخيرة عليك وعلى من علمك الشعارات الكاذبة.
أيبدو ذلك سخيفًا؟ حسنًا.. إنه ما جرى بالضبط في المشهد السوري، وألقى بـ ٦٠٪ من الشعب السوري كلاجئين حائرين قد خفتت من ذاكرتهم تلك النداءات، ليس لأن الله -جل وعلا- لا يستجيب لمن دعاه؛ بل لأن الله تعالى أمر باتخاذ الأسباب، وصِحة المنهج والمنطلقات.
لا تختلف هذه النظرة (مع اختلاف الشعار) مع الدواعش، حين ظنوا أنهم قد مُكِّنَ لهم، ونزلت عليهم خيرات الاستخبارات التي تستغلهم، من سيّارات بموديلات جديدة، ومؤن سقطت عليهم بالخطأ مرارًا وتكرارًا، وتجارة نفطية سلكت طريقًا للاستخراج والبيع، وظنوها خيرات تطبيق الشريعة، ورأيناهم يصرخون أن دارًا وأرضًا طبقت فيها شريعة الله تعالى، لن يخذلها الله أبدًا، وسيكون النصر الحاسم لها، وقد أعدت العدة، فكانت النتيجة أن قطفت رقابهم على يد بنات الأكراد، وغلمان الشيعة، وتشتت شملهم، واستبيحت مناطقهم، وذهب القوم شذر مذر، ورأينا مناظر إهانتهم في قتلهم، وفي أسرهم نظير ما قاموا به من تألي على الله تعالى، وعبث باسم شريعته، وإجرام باسم توحيده.
. (الإسلام هو الشعار).
أبرز ما انقشع عنه غبار الثورات هو سقوط شعار (الإسلام هو الحل) الذي رفعه حزب الإخوان المسلمين السياسي، وكل الأحزاب والمنظمات المنبثقة عنه من تنظيم القاعدة إلى داعش.. لأحزاب العدالة، فرأينا الإخوان في برامج الشو قبيل انتخابات ٢٠١٢م يشرعون ما كانوا يشيطنون به الحكام العرب لعقود، باسم الضرورة والفقه، ورأينا داعش يتعامل تجاريًا وحدوديًا مع الأنظمة التي يكفرها بحجة المصالح، ورأيناهم يبررون لأردوغان كل ما كانوا يعتبرونه خيانة أو من نواقض الإسلام، من التعاون العسكري مع روسيا، للتطبيع، لمجلس الصداقة التركي الإيراني.. وغير ذلك.
حتى إن الواحد منّا يكاد ينسى الأسباب التي لأجلها تم شيطنة مصطفى أتاتورك، أو الحبيب بورقيبة، أو جمال عبدالناصر في أبجديات الإخوان وذيولهم، لأن أردوغان لا يختلف عنهم البتة في طريقة تعامله مع عالم السياسة والفكر مهما كان الشعار الذي يرفعه!
وليتضح لكل عاقل أن الحكام العرب كانوا يمارسون أمرًا مشروعًا وحقوقًا تاريخية وأصيلة للحكام لذات الأسباب التي رآها حزب العدالة في تركيا ومصر وأخيرًا في المغرب، لكن الإخوان يريدون أن يكونوا هم من يمارس هذه المرونة فقط، ويلعبون أدواتها لا غيرهم، فإذا لم يُمَكّنوا من ذلك أثاروا الفتن، لذلك كان من الظريف أن تجد المدعو طارق السويدان يقول في اجتماعه مع إخوان السودان في ٢٠١٣م أن سبب عدم حصول التغيير في الخليج هو انعدام الشعور بالألم بين شعوبها!! أي أن اطمئنان الشعوب ليس هدفًا محققًا وواقعًا يجعل الإخوان يلغون نواياهم في الخليج، بالعكس، هم يعتبرون شعور الاطمئنان لدى شعوب الخليج عائقًا لمشروعهم، لذلك لا غرابة من موقف السويدان الذي حصل منه أثناء غزو الكويت، حين شذ عن إجماع الكويتيين في موقفهم من الغزو ومطالباتهم، كما شهد على ذلك الشيخ سعود الناصر الصباح، وطلب -باسم الإسلاميين- الانفراد لدى الأمريكان عن الإجماع الكويتي، ولا أعتقد أن هناك مثال أخس مما ورد في شهادة الشيخ ناصر.
. احتلوا وول ستريت.. والسترات الصفراء.. وأهل غزة.. وإسلاميو تركيا.
وهنا مشهدان، المشهد الأول: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وتركيا تطالب الدول العربية التي حلت فيها بداية الفوضى احترام المتظاهرين، وعدم قمعهم.. إلخ تلك النداءات التي صاحبت اشتعال الفتن، وحماس تمجد (ثورة الأحرار) في كل دولة من الدول.
والمشهد الثاني تلا المشهد الماضي بسنيّات، ورأى فيه العالم حاكم نيويورك (يفض) اعتصام (احتلوا وول ستريت) بحجة تنظيفه، والرئيس الفرنسي يقول قبيل قمع ثورة السترات الصفراء: عند حدود الأمن تتوقف الحرية.
ورأينا أردوغان باسم الانقلاب يدمر مستقبل ٢٠٠ ألف من الشعب التركي، ففصل الكثير من المعلمين، والموظفين، وسجن الكثير بلا محاكمة، ومات البعض تحت التعذيب، فقط لانتمائهم لحزب معارض له.
وأما حماس، فقد اتضح أن للأحرار حدودًا لا تطأ غزة، فقد قمعوا ثورة أهل غزة في العام الماضي، ورأينا كيف تسقط الهراوات على رؤوس النساء والشباب الذين ضاقت بهم السبل والمعيشة، والحجج التي كانوا يعيرون رؤساء دول الثورات بها ويضحكون منها رددها رجال حماس في غزة وحزب العدالة في تركيا.
. أصنام اليسار:
من أهم ما سقط في النصف الثاني من عقد الثورات، هو صحف وإعلام الغرب، كنا في سنوات مضت إذا قيل: نيويورك تايمز.. واشنطون بوست.. ونحوها، نظن أن ذاك هو العلم الأكيد الذي لا يأتيه باطل التزييف، حتى تراكمت أرشفة أخبارهم في مواقع التواصل، وبات من السهل الوصول إلى عناوينهم القديمة عن أحداث العالم العربي، وبالعودة إلى الإرشيف تبيّن لنا أنهم يكذبون بكل بساطة وبلا زيادة توضيح، ويعتمدون على (الذل الثقافي) لدى الإعلام العربي، وأحزابه، وعموم شعوبه؛ لتصديقهم، ونقل أخبارهم في كل مكان، والتحليل وبناء الأحكام على عناوينها.
وصادف ذلك صعود ترامب، لنرى هذا الإعلام كأقذر ما يمكن أن يكون، من كذب، وافتراء، بلا خجل، ولا احترام لتاريخٍ مضى يُقال بأنه كان مُشرِّفًا، وصار شعار: Fake News الذي ردده ترامب مستبقًا ما توقعه منهم وصار بالفعل، وهو محاربته، وإحاطة مسيرته بالافتراء والكذب، أقول: صار هذا الشعار يقينًا في نفوس أصحاب الذاكرة القوية، أو القدرة على البحث في الماضي القريب.
بالإضافة إلى تبادل الأدوار مع إعلام بعض الدول المتربصة والإخوان ومن يطلق عليهم بالمعارضين من قبّيضة الأعداء، فذاك المعارض يصرّح، ويصير مصدرًا لنيويورك تايمز، والجزيرة وإعلام الإخوان يعيدون نشر الخبر عن وكالات (عالمية) كما يسمونها، وهكذا تُطبخ الطبخة ضد الدول العربية المستقرة، وتدور الأسطوانة المشروخة لبث الإشاعات، والإرجاف.
. فتنة الأممية:
تأمل معي، وسائِلْ عقلك: أيهما أنفع للأمة الإسلامية في العقود الماضية؟ وأيهما أكثر أممية؟
المملكة حين تقرض الدول الإسلامية قروضًا حسنة، وتُسقط القروض وتخففها على دول إسلامية أخرى، وترسل الحملات الإغاثية تلو الحملات في كل الكوارث التي حصلت في الدول الإسلامية من فيضانات، وحروب، وزلازل، وتُعمل دبلوماسيتها وسلاحها للدفاع عن استقرار المجتمعات الإسلامية من الفتن والخلافات، وتخدمهم في المواقف، منذ حروب الاستقلال، وتشارك في تنمية الاقتصاد العربي، عبر الاستثمار، والمساعدات المباشرة، من المال، لبناء المستشفيات والطرق، وخففت حِملًا عظيمًا عن الدول العربية، منذ اكتشاف البترول، بتقليل أعداد البطالة فيها، وضمان التحويلات العادلة مقابل العمل من أبنائها.
أم تلك الأحزاب الحالمة، والذيول المغيّبة، التي وضعت شروطًا للأممية ليس فيها حدود ترابية أو شباك حديدية وجمارك، إما أن تكون الأمة في طريق الوحدة السياسية، وإلا فهي أمة متخلفة لا تستحق الحياة، وحرام على شعوبها طريق الإسلام، وحسن الختام، ولا يغرك اجتماع أحذيتهم أمام الجوامع للصلوات الخمس، فحلّت بركاتها في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا والجزائر في عشريتها؟
لا شك أن المملكة وغيرها من الدول الإسلامية في تعاونها خير وفائدة للأمة أكثر من أولئك، بل بأدق عبارة: على العكس مما صنعه أمثال حسن البنا وسيد قطب وأسامة بن لادن وكل قادة حزب الإخوان المسلمين (على اختلاف أنواعهم، من القاعدة لأحزاب العدالة)، الذين حينما وضعوا شرط التوحد السياسي للأمة، إنما سلكوا طريق الدمار الذي لن تتوحد فيها، بل تتجه للفرقة الدموية والتشرذم الذي يجعل ملايين العرب والمسلمين مغتربين في بلاد (الصليبيين!!).
ويتوسع أهل الشر داخل حدودها، ويحرقون من خلالها مكتسبات قرون، بل يحرقون مكتسبات الجهاد الذي خاضه العرب والمسلمون في العصور الأولى للإسلام.
وقد توافقت مصلحة الإخوان يمينهم ويسارهم في شيطنة الجيوش العربية، مع مصلحة اسرائيل في ذلك، وإيران، لذلك الجيوش التي لم تنال منها قرارات (بريمر)، نالت منها هذه الثورات الشيطانية، وكادت أن تنال من جيش مصر لولا أن سلمه الله بسواعد رجاله ووقوف أبطال العروبة معه، وعلى رأسهم الملك عبدالله رحمه الله تعالى.
وكانت هذه الجيوش خطًا أحمر يمنع اجتياح الحدود من أعداء الخارج، ويمثل ورقة ضغط واقعية ومعاصرة في كل الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية، وإن لم تلبّ عالم المُثُل في أبجدياتهم الحالمة، ولا الرغبة الكاذبة لشعارات تحرير البقعة العربية المسماة بفلسطين، ولم تكن على مزاج قادة هذا التيار الخارجي ومن يديرونهم من الاستخبارات المتربصة بالأمن القومي العربي، والذين وصلت حدود ميليشياتهم لفلسطين في الثورة السورية، فكشفوا لنا أن طريق القدس يمر بمكة والمدينة كما نصوا عليها في إصداراتهم وأشرطتهم، مقتدين بالإيرانيين الذين فقدوا كذلك الاتصال ببرنامج خرائط جوجل فظنوا الطريق المزعوم نحو القدس يمر ببغداد والرياض.
وهكذا، يتوقع هؤلاء الحمقى والخونة أن طريق (القدس) الذي لا ندري كيف صار مصير الأمة إما سلوك هذا الطريق أو الدمار يكون من خلال مشهدٍ سريالي نرى فيه (جيل صلاح الدين!) يدمر الرياض والكويت والمنامة وأبو ظبي.. .
وإذا توقف رجال القاعدة وكَتَبَة تاريخ التيارات الإسلامية عن ذلك السؤال الذي ساءل فيه بعض شباب القاعدة في العراق -حين اشتغلت لديهم ١٪ من خلايا المنطق- قائدهم بن لادن سؤالًا استنكاريًا عن سبب الاتفاق بينه وبين إيران، وتواجد عائلته وكبرى قياداته هناك وعلى رأسهم ابنه حمزة، والمجرم الثرثار: أيمن الظواهري، وبقية الخونة، وكيف تجتمع خيانة كهذه، مع الشعارات التي يرفعها لأجل فلسطين؟
أقول: إن توقف فلولهم وخلاياهم النائمة عن هذا التساؤل، فنحن كشعوب عربية ومسلمة لن نتوقف عن هذا السؤال، والذي هو في الحقيقة سؤال يرددُ حقيقةَ خيانةٍ صمت عنها الكثير، أو قللوا من الحديث عنها، مع أنها خيانة جعلت أمثال بن لادن والظواهري وكل قادة القاعدة خونةً لا نفرق بينهم وبين أبي رغال، ولو كانت لقبور الميّت منهم أمكنة لتشرفنا كعرب، وتشرفنا كمسلمين برجمها على ما قاموا به من جرائم في حق الأمة وقد تراصت أكتافهم مع أكتاف قاسم سليماني وميليشياه ضد جزيرة رسول الله ﷺ ودولها وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بحجة هذا الصنم (القضية) التي تم صناعتها في مصانع الأحزاب الشيوعية، وحرموا فيها ما أباحته شريعة الله للساسة من المرونة في الصلح ودفع الضرر ونحو ذلك، وجعلوها حُجَّة لحرق بلاد العرب، أراضيهم وأموالهم، وشيطنة قادتها وعلمائها وكل عربيٍّ اختار التعايش مع وجودها قناعةً وإيمانًا بواقعها وصبرًا على سلبياتها وعوائق نهضتها، أو رضًا مخلوطًا بواقعية تعرّفت على طبيعة العصر وحدود قدرات الأمة فيه.
ثمّ ورثت الأحزاب الإسلاموية هذا التصنيم للقضية، لكنها لم تؤمن به كما فعل من قبلهم؛ بل جعلوها وسيلة لهدم الدول والوصول للحكم، ولا مانع من التنازل عن كل شيء لأجل الكرسي، وسيمارسون كل ما اتهموا به الحكام العرب كذبًا أو صدقًا، وهاهم يثنون على أردوغان والذي ظهر وكأنه ممسك بـ (كتالوج) نواقض الإسلام حسب تنظيرهم ويمارسها منذ أول أيام ممارسته للسلطة، من الإعانة في غزو العراق، للتطبيع مع اليهود؛ بل واستضافة مصانع جيشهم العسكرية، ومع ذلك لم تخدش مسيرته مطلقًا عند هذه التيارات الكاذبة مجرد خدش، ولم نر إلا التزكية له ولحزبه، واستمرت تمدحه وتثني عليه، ما يعني أنهم كاذبون في كل الشعارات التي رفعوها ضد الحكام العرب، ولو كانوا كما يزعمون لأنفسهم لكان أردوغان خارجًا من الملة -حسب فكرهم- منذ ٢٠٠٣م، ولم تزده الأيام حسب ما لووا به عقول أتباعهم إلا غرقًا في الكفر، وكذا أسامة بن لادن في تعاونه مع الإيرانيين، وتوقفه عن شعار إخراج المشركين من جزيرة العرب بعد أن انتقلت إلى حليفه الآخر، بل والأدهي والأنجس من ذلك أنه لما انتقل الجيش الأمريكي لقاعدة العديد رأينا اعترافات رجال القاعدة بأن هدفهم الحقيقي من قبل ومن بعد كان جذب الجيوش (الصليبية) لمعركة تكون أرضها جزيرة العرب، فإن استضفناها لضرورة كفرونا لذلك، وحين خرجت استمروا بهجماتهم كي يجذبوها، وهذا لعمر الله من أشد الخيانات، وأبشع مما قام به القرامطة لو كان قد حصل.
. لماذا يُعدّ الجيل؟
حينما يذهب طالب الحلقة لحلقته.. ويتجه طالب العلم نحو درس العقيدة.. وتُقام أنشطة الجرد والقراءة.. فالأصل أن يكون ذلك تعبدًا لله تعالى، دون أي ارتباط بهذه الدنيا، وهو الأساس والقاعدة، والقضية الأولى في شرع الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
أما أن توعد الأجيال بأن ثمار تربيتهم سيكون طريقة حكم سياسي يُراد لها أن تحكم الأرض وتتوافر فيها الشروط الكاملة التاريخية أو الشرعية، أو نحو ذلك من الوعود التي تعمل على تزهيد الطفل والمراهق بواقعه، وتشاؤمه، وتغيّب وطنه عن الاستهداف بالنفع، وجعل النفع مقتصرًا على الشأن السياسي، إما هذه الثمرة، وإلا فكل شيء باهت، وستكون الدعوة عملًا سريًا، أو علنيًا يتخلله الكثير من التذاكي في دسّ سموم الأحزاب الإرهابية، وستكون الدورات العلمية خلايا نائمة، تتبين حقيقة موقفها من وطنها ودولتها في القضايا الكبرى ومنعطفات الفتن، فهذا والله مما يبرأ منه المسلم إلى الله تعالى، وهو الشرارة الأولى لفتنة الإخوان والتيارات الإسلامية المنبثقة عنها والتي هاجمت القوانين والنظريات الوضعية وصنعت شيئًا يتخلل الآيات والأحاديث باسم الفكر الإسلامي وكان وضعيًا هو الآخر، وينطبق عليه وصف ابن القيم رحمه الله تعالى (كناسة أفهام وعقول)، لكنها صنعت هالةً لهذا الكلام خرج من الكتب، وطُبق في أفغانستان والشيشان والعراق والجزائر وبعض مناطق اليمن، وفي سوريا، وغزة، ويفترض أن نموذجه الأمثل والمتوجه نحو الطريق هو النموذج التركي، فلم نر إلا اتساعًا نحو الفتن، وكسرًا لحصون المدافعة التي كانت تحمي الأمة من أفجر البشر وأشرسهم، وإن لم تكن وفق شروط عالم المُثُل الذي يعيش فيه هؤلاء الخوارج، ويتلبسون عزّة الصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله ﷺ زمن اعتراضهم الأوّلي على صلح الحديبية قبل أن يتبين لهم حزم نبينا ﷺ، وينادون نداءات فتح مكة في دار الأرقم، لكنها دار أقيمت في بلاد مسلمة لا يليق أن يتناجى فيها مسلمان لدعوة حق، فما بالك بمثل هذه الدعوات المارقة عن جماعات المسلمين وأدوات استقرارهم؟
تزدان المدونة بتعليقاتكم وملاحظاتكم.